للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الذهول ما غشيهم حتى صاروا كالموتى من عظم الإغماء الذي أصابهم، وذلك لا يعارض قوله تعالى في أول سورة البقرة: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٥).

وقال بعضهم: الصاعقة ما يصيب الإنسان من حال يترتب عليها موته أو إغماؤه إلى درجة الموت، ومن ذلك قوله تعالى: (. . . فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ).

وقد قال الراغب الأصفهاني في مفرداته. " إن الصاعقة على ثلاثة أوجه: أولها الموت كقوله تعالى: (فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ)، وقوله تعالى: (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ).

والثاني: العذاب، كقوله تعالى: (أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ).

والثالث: أن الصاعقة هي الصوت الشديد من الجو ثم يكون منه نار، وينتهي بأن الصاعقة هي في الأصل بهذا المعنى، ثم تكون منه الآثار فهو سبب الموت، أو يكون إنذارا ".

ولذلك نرجح التوجيه الأول الذي ذكرناه وهو تفسيرها بالنار التي تجلجل بصوت رهيب مفزع، قد يترتب عليه الموت، وهو في ذاته عذاب شديد، وقد يسأل سائل: إن الصاعقة لها سبب طبيعي، وهو احتكاك سالب بموجب، فكيف يكون عقابا أو إنذارا، أو معجزة؟ ونقول إن الأسباب الطبيعية لَا تمنع الإرادة الإلهية، فالله سبحانه وتعالى سير الأكوان، وهي تحت قدرته وإرادته، فهو الذي يُسيِّر السحاب، والرياح، فإذا أراد جلت قدرته إنزال عذاب أو إنذار قوم أرسل الرياح المسخرات بأمره، فكانت منها الصاعقة أو الرعد، أو المطر الغزير الذي يكون غيثا ولا يكون غيثا، وقد صرح الله سبحانه وتعالى بأنه ينزل بالأقوام من الآفات بمقدار جرمهم وذلك لَا يمنع تحقق الأسباب الطبيعية فمسير الكون هو خالقه، ومسبب الأسباب، وكل شيء عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، وقد قال تعالى في أهل مصر عندما أيدوا فرعون في طغيانه:

<<  <  ج: ص:  >  >>