للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أولهما - في قوله " فآمنوا " فلم يقل آمنوا به، بل أطلق الإيمان للإشارة إلى أن الإخلاص وحده، وهو الإذعان للحق، وعدم التمرد عليه لسبق الإلحاد والإنكار - هو الذي يفتح القلوب للحق، وتصديق ما أنزله الله تعالى على رسوله الأمين - صلى الله عليه وسلم -.

ثانيهما - قوله تعالى: (خَيْرًا لَّكُمْ) ونصبت كلمة " خيرا " وصفا لمحذوف تقديره آمنوا إيمانا هو خير لكم، أو مفعولا لمحذوف وتقديره آمنوا قاصدين خيرا لكم، ويصح أن تكون خبرا لكان المحذوفة في فعل شرط وجوابه، والمعنى إن تؤمنوا يكن خيرا لكم، وذلك مثل (كل امرئٍ مجزي بعمله إن خيرا فخير، وإن شرا فشر).

ومهما يكن فإن النص الكريم يبين أن الإيمان فيه الخير المطلق؛ لأنه الحق، ولأنه من عند رب العالمين.

هذا فضل الايمان وما فيه من خير، وأما الكفر، فإنه الضرر كله للعباد، ولا يرضى سبحانه وتعالى الكفر لأنه لَا يرضى ما يضرهم، وأما هو سبحانه فإنه لا يضره شيء من كفرهم لأنه المالك لكل شيء، مالك لكل السماوات من أفلاك ونجوم ومدارات، وما تحوي من كائنات، وما في الأرض مما هو على ظاهرها وما في باطنها، فهو المالك والسلطان القاهر، فلا يضيره كفر العباد، وإن كان لا يرضاه، ويرضى إيمانهم، وإن كان لَا ينفعه، وهذا تقريب لمعنى قوله تعالى: (وَإِن تَكْفُروا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) هذا ختام النص الكريم فيه وصف الله الدائم بالعلم المحيط الذي لَا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء وبالحكمة وحسن التدبير والإبداع في ملكوت السماوات والأرض، إذ يسير الكون بنظام محكم التقدير والتدبير، وبنواميس وأسرار كونية لا يعلمها إلا العليم الخبير الذي خلق كل شيء فقدره وأحسن تقديره، وأنه كان من مقتضى علمه ألا يخفى ضلال الضالين، ولا هداية المهتدين، وكان من مقتضى حكمته، أن يجزي بالكفر عذابا، وبالإيمان نعيما، وأن يجعل من عباده الشكور المهتدي، ومنهم من ضل وغوى.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>