للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (١٦) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (١٧) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (١٩) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (٢١).

هذا ما جاء في سورة مريم، وقد جاء في سورة آل عمران: (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٧).

وقال في شأن خلق عيسى من غير أب: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ).

وبهذا يتبين أن الله سبحانه وتعالى خلقه بكلمة منه، وهو " كن "، كما خلق آدم، وكان عيسى بهذا كلمة الله لأنه خلقه بها، فقد خلق من غير بذر يبذر في رحم أمه، فما كان تكوينه نماء لبذر وجد، وللأسباب التي تجري بين الناس، بل كان السبب هو إرادة الله وحده، وكلمته " كن " وبذلك سُمِّيَ كلمة الله. وتعلق النصارى بأن كون عيسى كلمة الله دليل على ألوهيته، وما كانت الكلمة من الله إلهًا يعبد، فضلا عن أنه سمي بذلك؛ لأنه فعلا نشأ بكلمة، لَا بمنيِّ من الرجل يمنى، بل كلمته التكوين ألقاها (أي أوصلها) إلى مريم فكان التكوين لعيسى.

والعبارة الثالثة (وَرُوحٌ) وهذه أيضا من العبارات التي تعلقت بها أوهامهم، إذ قد فتحوا باب الوهم فيها حتى غشى عقولهم، فحجبها، فظنوا أن هذه الكلمة تدل على معنى الألوهية في عيسى.

وإن تتبع هذا اللفظ في القرآن يدل على أنه يراد به أحيانا الروح التي ينشئها الله تعالى في الأبدان، وينفخ بها فيها، وتكون بمعنى الملك جبريل عليه السلام، وتكون بمعنى رحمة، وليس في ذلك ما يدل على الربوبية أو الألوهية فيمن تقال فيه أو يسمى باسمه، وقد قيل المعنيان الأولان في شأن عيسى وشأن أمه، فقد قال

<<  <  ج: ص:  >  >>