للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في النفس الخاشعة الإيمان بلقاء الله تعالى الذي يجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بجزاء ما يعمل، ولذلك ذكر إيمان الخاشعين بلقاء الله تعالى فقال تبارك وتعالى: (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا رَبِّهِمْ) الظن يطلق بمعنى العلم الراجح، ومن ذلك قوله تعالى: (إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْن بِمُسْتَيْقين)، ويستعمل الظن بمعنى اليقين: (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا)، وقوله تعالى: (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ).

والظن بمعنى العلم اليقيني، ولكن التعبير عن العلم بالظن يفيد مع اليقين توقع الأمر المعلوم، فمعنى (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا رَبِّهِمْ)، أنهم يتوقعون هذا اللقاء وقتا بعد آخر، فهم يؤمنون إيمانا صادقا بلقاء الله، ويترقبون ذلك اللقاء، وينتظرونه متوقعين له، فيقينهم يقين المتوقع المترقب، فيكون في قلوبهم دائما ويستعدون له بعمل صالح يقدمونه رجاء أن يغفر لهم وأن يتغمدهم برحمته، ويكفر عنهم سيئاتهم.

والتعبير بـ (رَبِّهِمْ) فيه شعور بنعمه تعالى عليهم، لأنه هو الذي رباهم وأنشأهم وتعهدهم في الوجود، كما يتعهد المزارع زرعه بالسقي والإصلاح.

ويؤمنون مستيقنين متوقعين أنهم إليه وحده راجعون، وتقديم (إِلَيْهِ) للدلالة على أنه وحده الذي يرجعون إليه ويجزيهم بالإحسان إحسانا وأنه الغفور الرحيم.

هذا الذي مضى من القول الكريم من قوله تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) خطاب لبني إسرائيل الحاضرين منهم والماضين باعتباره واقعا منهم في حاضرهم وماضيهم، وهو يصلح خطابا لبني إسرائيل وغيرهم لما فيه من توجيه وتهذيب وإصلاح بين الناس، وبه تستقيم أمورهم في معاشهم ومعادهم.

ذكر الله تعالى بعد ذلك بني إسرائيل بنعمه عليهم، فقال تعالى:

(يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (٤٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>