للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولما كان اليهود منهم أمة مقتصدة، وأن كثيرا منهم ساء ما يعملون، اسْتُثْنِيَ أهلُ الخير من أن يكونوا خائنين، كسائرهم، فقال: (إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ) ولقد أجمع المفسرون على أن هذا القليل منهم: اليهود الذين دخلوا في الإسلام، وآمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به، ويصح أن نعد منهم عددا قليلا محدودا من اليهود قد خالفوا سائرهم عندما كانوا يهمون بنكث العهد مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهؤلاء، وإن لم يسلموا يصح أن يستثنوا من الذين يخونون وينكثون العهد، ولقد أمر الله تعالى نبيه بأن يأخذ الناس بالعفو والصفح الجميل، ولذا قال تعالى:

(فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِن اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) العفو معناه في مثل هذه:

عدم مقابلة الإساءة بمثلها، والتجافي عنها، وترك المؤاخذة عليها، والصفح معناه: ترك المؤاخذة، وترك اللوم والتثريب، بل ترك العتاب عليها؛ ولذلك قالوا: إن الصفح أعلى رتبة من العفو، وقال في ذلك الراغب الأصفهاني في مفرداته: وهو - أي الصفح - أبلغ من العفو؛ ولذلك قال تعالى: (. . . فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا. . .)، وقد يعفو الإنسان ولا يصفح ولكن لَا يمكن أن يتحقق صفح من غير عفو، إذ العفو ترك المقابلة بالمثل ظاهرا، وقد يكون في النفس شيء، أما الصفح فإنه يتناول السماحة النفسية، واعتبار الإيذاء كأن لم يكن، في المظهر والقلب.

والإحسان يطلق على الإتقان، ومن ذلك قوله تعالى: (. . . إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا)، ويطلق على الإنعام على الغير، ومن ذلك قول القائل: " أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم " والإحسان في هذه الآية يشمل المعنيين، والإحسان فوق العدل؛ لأن العدل مع غيرك إعطاؤه الحق الذي له، والإحسان إعطاؤه الحق وزيادة، ومعنى النص الكريم: إذا كانوا على هذه الصفة التي ذكرناها فلا تعاملهم بمثل أخلاقهم، بل عاملهم بأخلاق النبوة التي تدعو إلى الحق، وإلى صراط مستقيم، فاعف عنهم ولا تؤاخذهم بذنوبهم، فلا تعاملهم بالمثل إلا دفاعا عن الحوزة وأصفح الصفح الجميل، ولا تجعل في قلبك غلا

<<  <  ج: ص:  >  >>