للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (١١).

إن بني إسرائيل من بعد أن بعث الله تعالى إليهم من أنفسهم سيدنا موسى عليه السلام كانت كل انتصاراتهم على فرعون بأمور خارقة للعادة، وحياتهم كلها لا تخلو من خارق، فقد أنقذوا بالبحر ينفلق اثني عشر فرقا، وشربوا الماء بالعصا يضرب بها الحجر فينبثق منه اثنتا عشرة عينا لكل إنسان مشربهم، ويشكون الجوع، فيجيء إليهم المن والسلوى. وبذلك استرخت نفوسهم، والله سبحانه وتعالى لم يجعل - فيما سنه في الكون - الأمم تعيش من غير كفاح، وطلب للعزة بجهاد وعمل. فكلفهم سبحانه أن يدخلوا الأرض المقدسة، وهو يعلم حالهم، وبماذا يجيبون، وكان لَا بد أن يربيهم على الكفاح بعد الاسترخاء، وعلى طلب العزة بأنفسهم بعد الاستخذاء، فكان لَا بد من البلاء بتركهم أربعين سنة يتيهون في الأرض، ويعيشون في الأخبية وينتقلون طلبا للماء والكلأ، ويحيون حياة خشنة.

ولقد قرر ابن خلدون في مقدمته إن الأمم كلما تحضرت استرخت منها العزائم حتى يغزوها من يعيشون في شظف العيش ويسيطرون عليهم، حتى يصيبهم الرفه، ويفكهوا في نعيمه، فيصيبهم ما أصاب من سبقوهم.

كان التيه الذي عاش فيه بنو إسرائيل أربعين سنة لتربى فيهم قوة البأس والعزيمة، ويستهينوا بالصعاب، فيذللوها ويتغلبوا عليها: (فَلا تَأسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) هذا تطمين لموسى عليه السلام، وبيان استجابة معذرته، وإزالة لما علق بنفسه من هم بسبب فعل قومه، وعصيانهم لأمر ربهم، ومعنى أسى حزن حزنا عميقا، يُحدث هما وغما، ومن ذلك قول امرئ القيس:

وقوفا بها صحبى عليَّ مطيهم ... يقولون لَا تهلك أسى وتجمل اللهم هب لأمة الإسلام القوة والعزة والمنعة، وطلب إعزاز الإسلام بالجهاد بالنفس والمال، وألا يرهَبوا عدوَّ الإسلام، ويطيعوا قول الله تعالى ويستمعوا إليه: (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنتُم الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>