للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غيلة، وقتل الغيلة أقبح من قتل المجاهرة، ولذلك دخل العفو في فعل المجاهرة، ولم يدخل في قتل الغيلة ".

وإن الذي نميل إليه هو مذهب مالك بلا ريب، لأن معنى المحاربة، وهو إزعاج الآمنين ثابت في الاختفاء، بل هو أمكن، كما هو ثابت في المجاهرة، بل أشد وأحكم.

رابعا - بالنسبة لجرائم المحاربة أهي مقصورة على الاعتداء على الأموال والأنفس؟ قال جمهور الفقهاء ذلك، وقال مالك رضي الله عنه، كل اتفاق على ارتكاب المعاصي يعد من قبيل الحرابة، فالاتفاق على الزنى أو فتح بيوت له يعد من الحرابة، ويستحق عقابها، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وقبل أن نترك الكلام في الجريمة لَا بد من الإشارة إلى أمرين: أولهما - أنه لا بد في اعتبار هذا الفعل جريمة أن يكون القائمون به مكلفين تكليفا شرعيا بأن يكونوا بالغين عقلاء، لأن الفعل لَا يوصف بأنه جريمة أو معصية إلا إذا كان الفاعل مكلفا تكليفا شرعيا، فإذا قام بالعمل صغار لَا يعدون قطاع طريق، وإذا كانوا مميزين، فإنهم يؤدبون، أو يعزرون على أن يكون تعزيرهم تأديبا، ولا يكون عقابا على ما هو مقرر في باب التعزير، وإذا كانوا مجانين، فإنهم يحجزون في المصاح أو نحوها، ولا يعزرون، لأن عقابهم يكون تعذيبا، إذ لَا تبعة يتحملونها، ولا يصلحون للتأديب لفقد عقولهم.

ثانيهما - أيعدون محاربين، ولو لم يرتكبوا جريمة من جرائم قطع الطريق، فلم يسرقوا، ولم يقتلوا، ولكن اتخذوا مكانا قصيا لكي يرتكبوا الجرائم متفقين على الفعل، وقصدوا الفعل، ولم يفعلوا، إما لأنهم لما يبدأوا، وإما لأن الأحوال لم تواتهم.

وبذلك يكون مجرد الاتفاق والأهبة للتنفيذ يعد جريمة في ذاته؛ الظاهر من أقوال الفقهاء ذلك، وسيتبين، وبذلك يكون الاتفاق الجنائي في الشريعة له مكانه من العقاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>