للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ونتكلم من بعد ذلك عن عقوبة الحرابة، أهي من قبيل الحدود أم من قبيل القصاص؛ لقد نص الفقهاء بالإجماع على أنها من قبيل الحدود، فهي حد من حدود الله تعالى، وليست قصاصا؛ ولذلك لَا يصح العفو عنهم، وأنهم لَا بد مأخوذون من تلك العقوبات التي قررها القرآن الكريم، فإن إقامة الحدود من العبادات بالنسبة لولي الأمر، ولا يصح أن يتخلى عن العبادة بأي صورة من الصور، ولأنهم قد وصفهم الله تعالى بأنهم يحاربون الله ورسوله، ووصفهم سبحانه بأنهم يسعون في الأرض فسادا، وهم بذلك يعتدون أبلغ اعتداء على الجماعة المؤمنة، وكل ما يكون اعتداء على الجماعة يكون اعتداء على حق الله تعالى، والحدود عقوبات لاجل حق الله تعالى؛ ولأن هذه العقوبات حد تجب إقامته على ولي الأمر كان قابلا للتوبة؛ ولذلك قرر الله تعالى فيه قبول التوبة، فقال تعالت كلماته: (إِلَّا الَّذينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).

وقد تكلمنا في معنى هذه الآية الكريمة، وبقي أن نتكلم في أمرين: أحدهما - كيف تكون التوبة قبل القدرة عليهم، وثانيهما - عن آثار هذه التوبة.

أما عن الأمر الأول، وهو حقيقة التوبة في هذا المقام. . فنقول إن التوبة العامة تقتضي ثلاثة آمور: اثنان منها نفسيان، والآخر مادي، والنفسيان أن يعترف بالذنب ويندم عليه، وأن يعتزم ألا يعود إليه من بعد توبته. وأما الأمر المادي، فهو الإقلاع عنه بالفعل.

وبتطبيق هذا على توبة قطاع الطريق لَا يتعرض الفقهاء للناحية النفسية بل إن ذلك أمره إلى الله تعالى، ولكن يتجهون إلى الأمر المادي الذي يدل ظاهره على المعنى الباطني، وإن هذا الأمر المادي يتحقق بأمرين، أو بأحدهما أولهما - بأن يُؤمِّن الناس قطاع الطريق، ويتركوا المكان الذي يباشرون فيه جريمتهم، وثانيهما - أن يقدموا الطاعة لولي الأمر، وهنا يجيء نظر الفقهاء أيكتفون بالأمر الثاني وهو تقديم الطاعة أم لَا بد من الأمرين معا؛ اخلف الفقهاء في ذلك ففريق

<<  <  ج: ص:  >  >>