للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المقطوعة، إنما المقابلة بين الأثر الذي يكون للفعل الذي يفعله السارق وبين العقاب، فإن السرقة في حي أو قرية تفزع أهل القرية أجمعين، فيندفعون إلى جلب الحراس ووضع المغالق وإحكام الأبواب، فوق ما يكون بين الناس من اضطراب؛ إذ يفقدون الأمن والاطمئنان، وتستيقظ أعين الحكام، ويزداد عدد القائمين على الأمن، فالمقابلة ليست بين ذات الفعل والعقاب، بل المقابلة بين أثر الفعل، وما يعقبه من انزعاج، وليست العقوبة مقصودة فقط لذلك الجزاء، بل هي مقصودة لما يعقبها من خوف الفاسدين، وفزع الجرمين، فيقل الإقدام عليها، بل لا يكون، وهو ما يشير إليه قوله تعالى: (نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ). فالعقاب عادل في ذاته؛ لأنه مناسب لأثر الجريمة، وإصلاح لأنه يؤدي إلى ذهاب الجريمة أو تقليلها.

ونريد أن نقف للكلام في أمرين في معنى نكال، وفي السرقة التي تعد جريمة توجب قطع اليد.

ونقول: إن معنى كلمة نكال الزجر والمنع، فهو منع للغير من الارتكاب، وقد جاء في مفردات الراغب الأصفهاني في أصل معنى كلمة نكال واشتقاقها: يقال نكل عن الشيء ضعف عنه وعجز، ونكلته قيدته، والنكل قيد الدابة. وحديدة اللجام لكونهما مانعين، والجمع الأنكال، قال تعالى: (إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا). ونكلت به إذا فعلت ما ينكل به غيره (أي يمنع غيره من أن يفعل فعله) قال تعالى: (فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لّمَا بيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا. . .). وقال: (جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ الَلَّهِ).

وقال - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله يحب النكل على النكل أي الرجل القوي على الرجل القوي " (١).


(١) جاء في النهاية في غريب الحديث جزء ٤، ص ١٧٦ (نكل) " إن الله يُحِب النَّكَلَ على النَّكَل)، قيل: وما ذاك؟ قال: " الرجُل القويُ المُجَرِّب المُبدِئ المُعيد، على الفرس القويّ المُجرَّب " النَّكَل بالتحريك: من التنكيل، وهو المنع والتنحِيَة عما يريد.

<<  <  ج: ص:  >  >>