للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أولهما - أموال بيت المال، فقد قرر الأكثرون أنه لو أخذ مسلم من بيت المال لا يقطع، ولنترك الكلمة لابن جرير في هذا الموضوع فهو يقول: " لا قطع على من سرق من بيت المال إذا كان مسلما، ويروى ذلك عن عمر وعلي رضي الله عنهما، وبه قال الشعبي والنخعي وأصحاب الرأي، وقال مالك وحماد يقطع بظاهر الكتاب (أي النص وهو (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) ولنا ما روى ابن ماجه بإسناده أن عبدا من رقيق الخمس (أي الخمس المخصص لبيت المال من الغنائم) سرق من الخمس، فدفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يقطعه، وقال: " مال الله سرق بعضه بعضا " (١)، ولأن له في المال حقا، فيكون شبهة تمنع وجوب القطع، كما لو سرق من مال له فيه شركة. ونرى أن الذين أقاموا الحد طبقوا النص باعتبار أن السرقة قد تحققت، فوجب تحقيق العقاب، وأن هذا المال مال الله ومال الله تعالى أوجب أن تراعى حرمته، ولأن إهمال الحد فيه معنى إباحته، وذلك لَا يجوز.

والذين لم يقيموا الحد، وهم الأكثر عددا بنوه على أساس أن لكل مسلم حقا فيه، فهو مال الجماعة كلها، وإذا كان كذلك فللآخذ حق أو شبهة حق، والحدود تسقط بالشبهات.

وإن الرأي الذي يوجب الحد أحرى بالقبول، حتى لَا تكون أموال الأمة نهبا للناس ينالونها من غير أي حريجة دينية، ويحسبون أنهم يأخذون حقا لهم، وإن لم يكن مقسوما، فالأولى بالحماية مال الله حتى لَا تمتد إليه الأيدي الآثمة، ولعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقم الحد على الرقيق الذي كان غنيمة إذ أخذ منها؛ لأن الحرز لم يكن ثابتا بالنسبة له، وللرفق بالرقيق الذي لم يكن على علم بالشرع وما يجب عليه، ولأن حماية مال الدولة أوجب رعايته، لأن ما سرقه من حيثما القيمة دون ما ينقص من قيمته بقطع يده، وفوق ذلك نتلف جزءا من بيت المال بإتلاف برء


(١) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عَبْدًا مِنْ رَقِيقِ الْخُمُسِ سَرَقَ مِنَ الْخُمُسِ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَقْطَعْهُ وَقَالَ: " مَالُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، سَرَقَ بَعْضُهُ بَعْضًا ". رواه ابن ماجه: الحدود - العبد يسرق (٢٥٩٠). والخمس أي خمس الغنائم المفروض لله ورسوله.

<<  <  ج: ص:  >  >>