للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن هذا النص الكريم يشير إلى أن التوبة النصوح التي يقبلها الله تعالى، ويغفر بها الذنوب توجب قهر الشهوات والأهواء وقتل منابعها في النفس.

وقد حثهم كليم الله تعالى على هذه التوبة النصوح، فقال: (ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ) الإشارة إلى بخع النفوس عن شهواتها وسد منابع الأهواء وقتل نوازع الشيطان الذي يوسوس في الصدور، وأشير بالبعيد لبعد ما بين التوبة ورياضة النفس على ترك الأهواء والضبط بالصبر، وقوة الإرادة المسيطرة القاهرة الطاهرة، وكان الخطاب بصيغة الجمع لأن الإشارة إلى عمل صدر منهم.

وقد أشار النص إلى قبول التوبة النصوح التي كانت على هذه الشاكلة فقال: (فَتَابَ عَلَيْكُمْ). أي رجع سبحانه عليهم وقد طهرت نفوسهم وزكيت قلوبهم بالانخلاع عن الشهوات وقتلها، رجع عليهم سبحانه وتعالى بالغفران. وعبر سبحانه وتعالى بـ " على " للإشارة إلى علوه سبحانه وتعالى عليهم في كفرهم وتوبتهم، وأن ذلك لرحمته بهم، لَا لحاجته إلى طاعتهم، وقد ذيل الله سبحانه وتعالى بقوله: (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم). والتواب كثير قبول التوبة إذا قيل ذلك عن الله تعالى، أو كثير التوبة إذا قيل عن العبد، وتواب صيغة مبالغة من تائب، وتائب تطلق على التائب من الذنب، وتطلق على من يقبل التوبة، وهو الله سبحانه وتعالى، وهي هنا على هذا المعنى.

وقد اقترن وصف التواب بوصف الرحيم، لأن كليهما وصف لله تعالى، ولأن قبول التوبة من رحمة الله تعالى بعباده، ولقد قال: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى).

وقد أكد سبحانه اتصافه بهذين الوصفين اللذين كانا من فضل الله تعالى، ومنته، بصيغة المبالغة، وبالجملة الاسمية، وبالتأكيد بإنَّ - اللهم تب علينا وارحمنا.

يذكر الله سبحانه وتعالى النعم التي أنعم بها على بني إسرائيل، وكفرهم بها، وبالله. ثم يذكر سبحانه تعنتهم في طلب الدليل رغم الآيات التي أراهم الله سبحانه وتعالى إياها، ولكن المتعنت لَا يقنعه الدليل مهما يكن باهرا ظاهرًا قاهرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>