للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بعد بين الله سبحانه وتعالى حسد أحد ابني آدم لأخيه وكيف أدى الحسد والحقد إلى أن يقتل الأخ أخاه، بين سبحانه وتعالى ما هو نتيجة للحقد، من قتل النفوس، وقيام المجرمين بالشر فرادى وجماعات، وآثار هذه الجرائم في الجتمع، وبين أشد أنواع جرائم الفتك والاعتداء في الجماعة وهي الحرابة، ثم ذكر السرقة، وهي في معنى الحرابة؛ لأنها سطو على الأمن، وإزعاج للناس، وجعلهم في اضطراب مستمر وبلبال دائم، وهمّ مقيم، وذكر عقوبتها الزاجرة، وآثارها الملقية بالأمن والاستقرار في النفوس.

وبعد هذا البيان من آثار الحقد، والحسد في الجرائم الحسية ونشرها، ذكر سبحانه أثر الحقد والحسد في الجرائم المعنوية والاعتقادية، وهي التي يجمعها جحود الحق حسدا وحقدا واستكبارا، كحسد أحد ابني آدم على أخيه إذ حقد واستكبر، وذكر حقد اليهود والمنافقين على النبي - صلى الله عليه وسلم -وحسدهم له ولقومه على ما آتاهم الله من فضله، فأرسل في العرب رسولا يدعو إلى الحق وإلى صراط مستقيم، وقد كان سياق قصة ابني آدم مبيت، استمكان الحقد والحسد في نفوس الأشرار، وإذا علم ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا ينبغي له أن يحزن على ما يصيبه نتيجة للحقد والحسد؛ ولذلك قال سبحانه وتعالى:

(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ) النداء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - والنداء له عليه السلام بـ (يَا أَيُّهَا) - التي تدل على نداء البعيد مع أنه من الله قريب وهو له مجيب؛ لبيان الشأن العظيم لما يدعوه إليه ويناديه لأجله، وللموضوع الذي ينبهه إليه، وهو حال الذين يخاطبهم وتدبير الدعوة على مقتضى حالهم، وتوقع ما يقع منهم.

وقد قال فخر الدين الرازي: إن نداء الله تعالى له عليه السلام يكون بـ " يا أيها النبي " ما عدا موضعين: أحدهما - هذا الموضع، والثاني - في قوله تعالى: (يَا أيُّهَا الرسول بلغ ما أنزل اليك). وقال إن النداء: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ) فيه زيادة تشريف للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الرسالة أخص من النبوة، والحق أن النداء بالنبوة

<<  <  ج: ص:  >  >>