للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا يزكي معنى النهي عن أن يكون منهم ما يحزن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه لا يتوقع من الكفار الذين مردوا على النفاق إلا الإيغال فيه، والازدياد في الشر.

وقد بين سبحانه نوع هؤلاء الناس، فقال تعالت كلماته: (مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ). (مِنَ) هنا بيانية، فهي تدل على أن ما بعدها بيان للذين يسارعون في الكفر متنقلين في دركاته موغلين في الجحود، وقد كان أول وصف يدل على جحودهم الشديد، وإمعانهم في الضلال والتضليل هو أنهم يقولون: " آمَنَّا " بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، وقوله تعالى بأفواههم متعلق بقوله تعالى: (قَالُوا).

وقدم قوله تعالى (آمَنَّا) على قوله تعالى (بِأفْواهِهِمْ) للإشارة إلى مسارعتهم بقول الإيمان وإعلانه وذكره، إمعانا في التضليل والنفاق، ولأن قول الله تعالى (بِأَفْواهِهِمْ)، ولو أنه متعلق بكلمة (قَالُوا) فيه حكم على ادعائهم الإيمان والحكم يتأخر دائما عن واقعة الحكم، فالواقعة قولهم (آمَنَّا)، والحكم من الله تعالى بأنه إيمان بالأفواه، لَا بالقلوب فهو إعلان عن الإذعان، ولقد أكد سبحانه وتعالى ذلك الحكم بقوله تعالى: (وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ) أي لم تذعن للحق وتسلم به وتخضع له قلوبهم، وليس المعنى لم تصدق قلوبهم؛ لأنَّ الإيمان ليس هو المعرفة الجردة، بل إنه إذعان وخضوع لما تقتضيه المعرفة ويقينها، فإن من أولئك يهودا كانوا يعرفون محمدا كما يعرفون أبناءهم، ولكن معرفتهم هذه صحبها تمرد على الحقائق، وعبث، وسير في الجحود، فلا يمكن أن يتحقق الإيمان منهم، وإن كانت لديهم المعرفة بالحقائق، إذ لم يذعنوا لها، والتعبير بالأفواه بدل الألسنة - إشارة إلى تزيين كلامهم فقط حتى صار الفَم كله يشترك في ادعاء الإيمان لَا طرف اللسان فقط.

(وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ) هي داخلة في البيان الذي دلت عليه " من " الأولى، وعلى ذلك يكون هؤلاء داخلين في الذين يسارعون في الكفر، فإنهم فريقان، فريق المنافقين، وفريق اليهود الذين

<<  <  ج: ص:  >  >>