للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تعالى، فقال تعالت كلماته: (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ) هو سبحانه وتعالى المنزل لها، وأكد ذلك الشرف بـ (إِنَّا)، وبإضافة ذلك التنزيل إلي " تعالت كلماته، وتقدست كتبه.

وبين سبحانه وتعالى شرفها الذاتي بما اشتملت عليه من هداية ونور، والهداية أو الهدى ما اشتملت عليه من بيان الأحكام في المعاملات والزواجر الاجتماعية وما يرشد إلى التطبيقات العملية، وأما النور فهو ما تشتمل عليه من مواعظ مبصرة، وأخلاق منيرة للحق، مقومة للسلوك مكونة للرأي العام الفاضل، وعبادات مطهرة للنفوس منيرة للقلوب، وبذلك تكون الهداية ما يتعلق بمعاملات الناس وتنظيم الجماعة والنور ما يتعلق بالعقيدة والعبادة والمواعظ، وسائر ما يتصل بالتوجيه النفسي وتطهير القلوب.

وقد فسرت الكلمتان بغير ذلك، فقد فسر الزمخشري كلمة " الهدى " بأنه: يهدي إلى الحق والعدل، و " النور " بما فيه بيان ما اسْتُبْهِمَ من الأحكام، والمؤدى على التفسيرين هو الرد على اليهود، وبيان وجه العجب في قوله تعالى: (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ) بأنهم لو كانوا طلاب حق فالتوراة عندهم فيها الهداية إلى العدل وهي كاملة في بيانه وتوضيحه، لَا تحتاج إلى مبين، ولا إلى موضح.

ويجب أن ننبه هنا إلى أن التوراة التي فيها هذه الأوصاف من أنها منزلة من عند الله، وأنها هدى ونور - إنما هي التوراة التي لم يحرفوها، ولم يزيدوا عليها أو ينقصوا منها، فإنها دخلت فيها الزيادة والنقص عندما ضُربت أورشليم (١) بأيدي التتار والرومان، وحرقوها، فلا يحتج بهذا الكلام للتوراة التي بأيدي اليهود وغيرهم في هذه الأيام، فقد نسوا حظا مما ذكروا به، وزادوا ما لم ينزل من عند الله.

(يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ) التوراة الصادقة التي أنزلت من الله تعالى لم تكن شرائعها معَطلة بل كانت ثابتة معمولا بها، والذين


(١) أورشليم: بيت المقدس بالعبرانية.

<<  <  ج: ص:  >  >>