للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والأحبار حفظوا كتاب الله تعالى بإلهامهم طلب الحق والعلم وتوجيههم نحو الخير، وكان حفظهم مؤكدا؛ لأنه استجابة لطلب الله تعالى الخبير، وحفظ الكتاب بعلم ما اشتمل عليه، ومنعه من الضياع والتحريف، وتنفيذ الأحكام التي يأمر بها، وطاعته فيما ينهى.

وكان أولئك الربانيون والأحبار شهداء، أي رقباء يحافظون على نصوصه كاملة، ويشهدون بصدق ما نزل من عند الله، ويردون المحرف، وكانوا أيضا رقباء على تنفيذه، بحيث ينفذ من غير عوج.

(فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا) الخشية هي الخوف مع تعظيم المخشي ومحبته، فليست مرادفة لمعنى الخوف؛ لأن الخوف أعم من أن يكون من مرهوب معظم محبوب، أو مرهوب مبغض ذميم، أو فيه مهانة لا عظمة فيه؛ ولذلك عبر عن الأخيار بالنسبة لله تعالى بالخشية دون الخوف، ومن ذلك قوله تعالى: (. . . إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عبَاده الْعلَمَاء. . .).

وقوله تعالى: (. . . وَخَشيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْب ... ). وقال سبحانه: (. . . وَيَخْشَوْنَ ربَّهمْ وَيَخَافَونَ سُوءَ الْحِسَابِ).

و" الفاء " في قوله تعالى: (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ) هي للإفصاح، والمعنى: إذا كان الكتاب قائما وثابتا، ونفذه السلف والخلف إلى ما بعد عصر النبيين، فلا تخشوا الناس، والتعبير عن خوف الناس وملامتهم بالخشية من قبيل المشاكله اللفظية، في مقابل قوله تعالى: (وَاخْشَوْن). أي أن الله تعالى هو وحده الجدير بأن يخشى، كما قال تعالى: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ).

والخطاب موجه إلى اليهود المعاصرين للنبي - صلى الله عليه وسلم -وعلمائهم، وفي الكلام يكون التفات إذ انتقل الكلام من أخبار الأخيار منهم إلى خطابهم، والمعنى: لا تخافوا ملامة الناس ولكن اخشوا الله تعالى وحده، فلا تمالئوا الأقوياء وتركنوا إليهم، بل اجعلوهم جميعا سواء مع غيرهم من الضعفاء كما كان يفعل النبيون

<<  <  ج: ص:  >  >>