للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والخاصة الخامسة - أنه " موعظة للمتقين " والموعظة هي التذكير بما يرق له القلب، وتصفو به النفس ويستقيم به العمل، فقد قال الخليل بن أحمد في تفسير الوعظ: (هو التذكير بما يرق له القلب) والإنجيل كان كذلك، لأنه توجيه بني إسرائيل ومن كان على شاكلتهم من الماديين الذين أركستهم المادة واستولت على قلوبهم - إلى الحياة الروحية، والتهذيب النفسي، وجعل الروح هي المسيطرة من غير ترك لحظوظ الدنيا المباحة التي لَا تستغرق النفس.

ومن أجل ذلك وصف بأنه موعظة، ولكن لَا يستفيد منه إلا الذين امتلأث نفوسهم بالخوف ورجاء ما عند الله، وهم طالبو الحق المهتدون، لأنهم هم الذين يستفيدون من العلم الذي يلقى، فالنفوس أقسام ثلاثة: قسم يطلب الحق، ويثمر فيه بيانه، وقسم يجمد على ما عنده، ويكون صلدا لَا ينفذ العلم إلى قلبه، إذ تحول بينه وبينه غشاوة من الباطل فهو أغلف، وقسم متردد حائر، تسيره الأجواء التي تحكمه وتسيطر عليه، ولا شك أن الذي يستفيد من المواعظ هو طالبها المتقبل لها، الذي تتشبع نفسه منها، وأولئك هم المتقون، وأما القسم الثالث، فإنه ترجى له الهداية رجاء غير محقق، وإن مثل العلم النافع لمثل الغيث لَا ينتفع منه إلا الأرض الطيبة التي تخرج نباتها بإذن ربها، والعلم لَا ينتفع به إلا القلوب الطاهرة التي لم ترنقها أغراض الدنيا وأهواؤها.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>