للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المنزلة قبل تحريفها، وفيها دلائل نبوة الأنبياء السابقين، ومعجزاتهم، والكتاب الآخر في قوله تعالى: (مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ). هو جنس الكتب السماوية السابقة، فـ (أل) فيه للجنس، أي أنه في القرآن الكريم الدلائل المثبتة لصدق ما يصح أن يسمى كتابا سماويا من الكتب السابقة بما فيها الإنجيل والتوراة والزبور، ويصح أن يكون (أل) للعهد أيضا، وهو العهد الذكرِي، إذ ذكر من قبل كتابان من الكتب السماوية وهما التوراة والإنجيل، وعبر عنهما بالكتاب باعتبار الجنس، ولأن كليهما متمم للآخر، فهما في معنى كتاب واحد.

والناحية الثالثة مما يدل على مكانة القرآن - هو أنه يهيمن على الكتب السابقة، فقد قال تعالى في مقامه بالنسبة لغيره من كتب السماء: (وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ). والمعنى أنه حاكم بصحة ما فيه، وشاهد بصدقه، ومقرر لمعانيه الباقية التي لم يعترها نسخ، وفوق ذلك يتبين الصحيح الذي نزل، ويشير إلى المحذوف الذي حذفه الأخلاف، إذ نسوا حظا مما ذكروا به، وهناك قراءة بفتح الميم، ذكرها الزمخشري في الكشاف (١)، ويكون المعنى أنه (مهيمَن) عليه أي مراقَب محفوظ، كما قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وِإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ). وقد وضح الزمخشري المعنى على هذه القراءة بقوله رضي الله تعالى عنه: " أي هُومِنَ عليه بأن حفظ من التغيير والتبديل، كما قال تعالى: (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ. . .). والذي هيمن عليه الله عز وجل أو الحفاظ في كل بلد، لو حُرِّفَ حَرْف منه أو حركة أو سكون لتنبه له كل أحد، ولاشمأزوا رادين ومنكرين ".

أي أن الله تعالى هيمن عليه وحفظه إلى يوم الدين، والحفَّاظ للقرآن جيلا بعد جيل هم بتوفيق الله تعالى شاهدون مانعون لكل تغيير وتبديل؛ لأنهم يحفظونه في صدورهم، ولا يتركونه للقرطاس الذي قد يرد عليه المحو والإثبات والتغيير والتبديل، وبذلك اختص القرآن بالصيانة من بين الكتب السماوية، وهو


(١) وهذه القراءة ليست في العشر المتواترة.

<<  <  ج: ص:  >  >>