للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أولاها - " قوله تعالى: (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) أكثر العلماء قالوا إن قوله تعالى: (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ). متضمن معنى لَا تنحرف، بدليل أنه تعدى بعن في قوله تعالى: (عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ). والمعنى في الجملة لَا تتبع أهواءهم منحرفا عما جاءك من الحق، وهو ما نزل به القرآن الكريم، ولذلك نرى أن قوله تعالى: (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهمْ). لَا تضمين فيها، بل قوله تعالى: (عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ). يتعلق بحال محذوفة، والمرمى من هذه الجملة السامية أن الخروج عما أنزل الله تعالى باتباع أهوائهم الفاسدة المردية فيه انحراف عن الحق، وخروج عن الجادة المستقيمة، وبعد عن الإنصاف في ذاته، وكذلك الشأن فيمن يعدل عن حكم الله تعالى اتباعا لأهواء الناس، وإرضاء للشهوات والرغبات المنحرفة.

الإشارة البيانية الثانية - في قوله تعالى: (عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ). فيه إشارة إلى أن الذي يبتلى بأمثال هؤلاء اليهود ومن سار على طريقهم في هذه الأرض يكون بين أمرين، إما أن يطيع الهوى والشهوة وفيهما الفساد، وإما أن يطيع ما جاء من عند الله، وفيه العدل والهدى والرشاد، وأي الطريقين أهدى للوصول إلى الصلاح الذي لَا فساد يعكره.

الإشارة الثالثة - فيها بيان أن ما يحكم به النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الحق والعدل في ذاته، وبذلك يكون حكم النبي - عليه الصلاة والسلام - قد تأيد بأمرين: أحدهما - أنه الحق في ذاته الذي لَا مرية في أنه العدل والأمر الثابت الذي لَا تجوز مخالفته في ذاته، ثانيهما - أنه جاء من عند الله الذي لَا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وهو بكل شيء عليم.

(لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) الخطاب لليهود والنصارى والمسلمين وغيرهم من الذين أوتوا كتابا نزل بشريعة من عند الله تعالى، ويكون في الكلام التفات، فقد كان الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمتحدث عنهم أولئك الذين اتبعوا وحرفوا الكلم عن مواضعه، والمعنى على هذا لكل نبي من الأنبياء السابقين شرعة يسير نحوها، ويتجه إليها، ومنهاج واضح بين يسير في طريقه، ولا يلتوى عنه،

<<  <  ج: ص:  >  >>