للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من سلاح. فتبرأ منهم لما نهي عن أن يكون عليه أو له أولياء غير المؤمنين واستمر على ولايتهم بعض المنافقين، فدل هذا على أن المراد بالولاية هنا الاستنصار بهم، والاندماج في ولايتهم، ولو سرا.

وهنا يرد سؤال أيجوز لنا أن نتخذ منهم بطانة ومعاونين؟ والجواب عن ذلك أنه لَا يجوز، وقد ورد بذلك النص القرآني، فقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (١١٨).

ولقد كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ينهى عن أن يستخدم غير المسلمين في الدولة الإسلامية، ويروى في ذلك أن أبا موسى الأشعري كان له كاتب نصراني، فأرسل إليه أمير المؤمنين عمر ينهاه عن ذلك، وجاء في آخر كتابه: (لا تقرِّبوهم إذ أقصاهم الله) فرد عليه أبو موسى يقول له: (لا قوام للبصرة إلا به). فكتب إليه عمر مرة أخرى كلمة موجزة: (مات النصراني والسلام) وقد فسر الزمخشري تلك الكلمة الموجزة بقوله: (يعني أنه قد مات، فما كنت تكون صانعا حينئذ فاصنعه الساعة، واستغن عنه بغيره).

والسؤال الثاني الذي يرد؛ أيجوز للمسلم أن تكون بينه وبين غير المسلم مودة؛ أم يجب التباعد عنه ما أمكن؟ ونقول في الجواب عن ذلك: إنه قد ورد في هذا نصان يبدو أنهما بادي الرأي متعارضان، أولهما - قوله عليه الصلاة وأتم التسليم: " لا تراءى ناراهما " (١) أي لَا تجمعهما نار يستدفئان بها أو يستضيئان بضوئها، أي لَا يجتمعان على مودة واصلة. والثاني - قوله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨).


(١) عَنْ قَيْسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً إِلَى قَوْمٍ مِنْ خَثْعَمَ، فَاسْتَعْصَمُوا بِالسُّجُودِ، فَقُتِلُوا فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنِصْفِ الْعَقْلِ وَقَالَ: «إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا». [رواه النسائي: القسامة - القود بغير حديدة (٤٧٨)، وأبو داود: الجهاد - النهي عن قتل من اعتصم بالسجود (٢٦٤٥)].

<<  <  ج: ص:  >  >>