للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بذكر ما هو سر اجتماعهم، وفيه إشارة جلية إلى أنهم لَا يمكن أن يكونوا نصراء يريدون العزة لهم؛ لأن ما به عزتكم واجتماعكم يتخذونه سخرية يلهون به ويعبثون.

وهنا مباحث لفظية في بيانها تقريب لمعنى النص السامي.

أول هذه المباحث - التفرقة بين الهزء واللعب؛ فهما في النص الكريم معطوف أحدهما على الآخر، وبمقتضى هذا العطف هما متغايران، وإن كانا ينتهيان إلى معنى واحد، وهو السخرية بالاستهزاء، والعبث، فهم يسخرون من الدين، ويسخرون من أهله، ويستهزئون بأهله، ويتعابثون به ويلعبون بحقائقه.

والهزء معناه المزح في خفة، أو المزح في مقام الجد للسخرية بموضوعه، والعبث به، وقد يكون بالقيام بظاهر بعض الأعمال، وهو يخفي نقيضها، كما قال سبحانه وتعالى عنِ المنافقين (وَإذَا لَقُوا الَّذينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ).

وعلى هذا يكون معنى الاستهزاء أو الهزء مشتملا على معاني الاستخفاف والتهكم، والمزح العائب.

واللعب أصل معناه من لعاب الطفل، ويقال عن الطفل لعب بفتح العين إذا سال لعابه، ومعناه - على العموم - العمل الذي لَا يقصد به نفع، ولا طلب ثمرة، بل يقصد به مجرد إزجاء الفراغ، والتسلية.

والمعنى الجملي للفظين: أنهم يسخرون من الدين باتخاذه موضع استهزاء ومزح، وموضع لعب وعبث لَا يقصدون نحوه بشيء إلا بما يقصد به اللاعب للعبته وهذا أبعد ما تكون عليه الاستهانة، فهل يجوز لمؤمن أن يقبل موالاة هؤلاء، وهو لايزال على صفة الإيمان.

وقد وصف عملهم بأنهم اتخذوا الدين هزوا، أي جعلوه هزوا ولعبا، أي جعلوه مستهزئا يمزحون به ولعبة يلعبون بها، وقد قدر بعض العلماء محذوفا، وهو أن يكون موضع استهزاء ولعب.

<<  <  ج: ص:  >  >>