للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يتبعهم اليهود ويستمعون إليهم، ويستجيبون لهم من يرشدهم إلى الحق ليتبعوه وينهاهم عن الظلم ليجتنبوه، وقد اتخذوا أولئك الأحبار والربانيين وسطاء بينهم وبين الله ليتعرفوا حكمه عن طريقهم، ولكنهم لم يفعلوا.

ولقد كان الموضع الذي كان ينبغي أن ينهوا عنه هو قولهم الإثم وأكلهم السحت، فالنهي الواجب منصب على أمرين: أحدهما - قول الإثم، أي القول المبطئ المانع من الخير، والثاني - أكل السحت، والأمران جماع الرذائل - فإن الذي يدفع إلى الشر قول ذميم يحرض على الفساد ويدفع إليه، ويجري الناس عليه، ويتضمن ذلك ارتكاب الشهوات، بكل أجزائها، لأن أول الشر استحسانه، واستحسانه يكون غالبا بالقول المشجع عليه والدافع له، ثم استمرءوا من بعد ذلك بقوله يزينه ويزكيه، ويكون من بعد ذلك ممن زين له سوء عمله فرآه حسنا.

والأمر الثاني - طمع لما في أيدي الناس وحسد على ما آتاهم الله من فضله، ووراء ذلك أكل لمال الناس بالباطل، وشره لما في أيديهم، واتخاذ المال ذريعة لإفساد ذات البين بينهم، والتحريض على الشر، والتحكم المرذول.

ولعل ذكر نهي الأحبار للعامة عن السحت تعريض بهم، لأنهم كانوا لا يتعففون عن الرشا بكل أنواعها، كما أن ذكر النهي عن قول الإثم تعريض آخر بأحوالهم، فإن من قول الزور تحريف الكلم عن مواضعه، والنطق بالزور في الشرع، وكان يقع منهم، ولذلك ذم سبحانه صنيعهم، وهو لَا يخلو من فساد حكمهم وتغيير حكم الشرع لهوى الأقوياء منهم، فقال تعالت كلماته: (لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). ذم الله تعالى صنيعهم، وهو عملهم الشر بدقة وإحكام، لا بمقتضى الغرائز الحيوانية من غير تفكير، وفي الماضي، وما هم عليه في الحاضر، وما يكون منهم في المستقبل.

وهنا يتكلم المفسرون في التفرقة بين ذم أْعمال اليهود عامة من دهماء وغيرهم بقوله تعالى: (لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). وذم أعمال الربانيين والأحبار بقوله تعالى: (لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ).

<<  <  ج: ص:  >  >>