للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأمر الرابع - من هم اليهود الذين هم أشد عداوة، ومن هم النصارى الذين كانوا أقرب مودة؛ قال بعض المفسرين: إن المراد منهم الذين عاصروا النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد كانوا كذلك حقا، ولكن قال ابن جرير: إن الوصف عام، فاختار أن هذا الكلام ينطبق على كل أقوام كانوا بهذه المثابة.

وعندي أن النصارى ليسوا النصارى في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فقط، بل كل من ينطبق عليهم وصف المودة في كل عصر، ومن لَا ينطبق عليهم، فهم إلى اليهودية أقرب، وإليها أدنى، وقد قال سبحانه: (ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ). في هذا الكلام بيان السبب، في قرب المودة الذي كان بين المؤمنين والنصارى في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن توافرت الأسباب، ولم يكن القسس والرهبان دعاة عداء وبغضاء؛ والقسيس هو عالم النصارى بأحكام دينهم، والمتفحص أحوالهم، والمرشد لهم، وأصله من " قَسَّ " بمعنى تتبع، فالقسيس لَا يترك الإرشاد، والرهبان جمع راهب كركبان جمع راكب، وتطلق كلمة رهبان على المفرد، كما تطلق على الجمع، وهو الرجل الزاهد المتبتل المنصرف للعبادة في زعمهم، وهو يقوم بعمل القسيس في العبادة، بيد أنه ينفرد عنه بالانصراف الكلي عن الدنيا ويتخصص للعبادة والإرشاد والتوجيه.

ولا شك أن حال القسيسين والرهبان في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا كذلك، وكانوا القائدين للاهتداء بهدْيِ الإسلام، فقد أخذوا بالكثيرين من نصارى الجزيرة العربية، واتبعوا الإسلام، واستمعوا إلى دعوة النبي عليه السلام، وأن هذا النص ينطبق على كل قسيس يدعو بدعاية الحق، ويكون ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

وفى ذلك الكلام تعريض باليهود الذين تركهم أحبارهم وعلماؤهم في غيهم يعمهون، فكانوا لَا ينتاهون عن منكر فعلوه، ولم ينههم الربانيون والأحبار عما ارتكبوا من جرائم، وما امتلأت به قلوبهم من غل وحقد.

<<  <  ج: ص:  >  >>