للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: (إِنَّمَا يرِيدُ الشَّيْطَانُ) فيه قصر، أي قصر إرادة الشيطان في الخمر والميسر على إثارة العداوة والبغضاء وإلقائهما في الأنفس، والعلاقات الاجتماعية بين الناس بعضهم مع بعض، وهذا يفيد أمرين: أولهما - أن الخمر والميسر لَا يدفع إليهما عقل مدرك مدبر، ولكن يدفع إليهما شهوة نفسية جامحة هي من تحريكات النفس الأمارة بالسوء.

وثانيهما - أنه يترتب عليهما الفرقة المادية بين الناس بالعداوة التي تقام بينهم، وبالبغضاء التي تولد فيهم الإحن المستمرة.

وليست العداوة والبغضاء هما فقط عمل الشيطان، بل له عمل آخر أشد وهو أنه يصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وفي الواقع أن كلا الأمرين متلازمان، فحيث كان الصد أي الإبعاد عن ذكر الله وعن الصلاة، كان إلقاء العداوة والبغضاء في القلوب، لأنه إذا وجد الإعراض عن ذكر الله وعن الصلاة كانت الأنانية، ولا شيء يقطع ما بين الناس، ويثير العداوة والبغضاء أكثر من الأثرة ومجانبة الإيثار.

فالخمر والميسر تناولهما يؤدي إلى أمرين أولهما - العداوة والبغضاء، وثانيهما - الصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة، أما أداؤها إلى العداوة؛ فلأن الخمر إذا شربت غاب العقل الظاهر، وظهر العقل الباطن، وكشف السكران كل مستور، وبين كل ما في الأنفس، وانطلقت الألسنة، بما لَا يصح الكشف عنه، وقد يبادله الآخر مثل قوله فتكون الشحناء، وتكشف الأستار، وينبش المقبور من الأمور، ووراءه تولد الإحن ونزول المحن، وإن الرجل ليكون كاتما لنفسه لا يتكلم، فإذا سكر انطلق لسانه بكل شيء، وقد يفتري على الحرائر، ويكشف ما في السرائر، وتنزل بالجماعة المحن.

وأما الميسر فإنه يولد حقد القلوب، وإحساس كل بأن الآخر له متربص ومتحفز، ولأمواله طالب متوثب، وهذه الأمور بارزة للعيان غير محتاجة إلى بيان.

<<  <  ج: ص:  >  >>