للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قرر أنه يحكم بالمماثلة ذوا عدل من المؤمنين، ولأنه قرر احتمال العجز عن المثل، فجعل بدله كفارة إطعام مساكين، فإن لم يجد يكون عدل ذلك صياما، ولأنه قرر أنه إذا وجده يرسله هدْيا إلى الكعبة.

وقال أبو حنيفة: إن المثل يكون بالقيمة، ولا شك أن ذلك القول قد يشكل ظاهرا مع ما ورد من نصوص إلا أن يقوّم الصيد، ويشترى بالقيمة هديا، فقد جزى بمثل ما قتل من النعم، والخلاصة أن القيمة تكون تعويضا يخير فيه بين أن يشتري هديا أو طعاما، فإن لم يستطع فالصوم.

وقد بين سبحانه طريق معرفة الجزاء ومآله وأنواعه فقال سبحانه:

(يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا) الهدى اسم لما يذبح في الحج مهدًى إلى فقراء مكة، والنص صريح في أن الهدْي يبلغ إلى الكعبة، وكونه يكون هديا يصل إلى الكعبة يشير إلى حكمة منع الصيد في البيت الحرام، وهو أن الحجيج الكثيرين إذا أبيح لهم الصيد قطعوه عن أهل مكة، وجعلوهم في ضيق وحرج.

وذوو العدل من المسلمين هم أهل الشهادة ذوو الخبرة الدقيقة في تقدير الحيوان، بحيث يكونون ممن يصفقون في أسواق النعم، أو من أهل المعرفة بها الذين يعلمون الأسعار بملاحظة مكانها وزمانها.

وهذان الحكمان يعينان المماثلة، سواء أكانت المماثلة بتوسط القيمة، أو كانت بالمماثلة في الهيئة والحجم ونحو ذلك، وذلك لأن الحنفية يقررون أنه في القيميات، أي التي لَا تتعلق وحداتها - تكون المماثلة بتعرف القيمة، ولا سبيل غير ذلك، فلا يمكن أن يكون الحيوان مماثلا للحيوان إلا بتعرف قيمتهما.

وإذا قدرت القيمة اشترى بها هديا، وبلغ الكعبة، وذبح هنالك تعويضا، وإذا تعذر شراء الهدْي، أو تعذر الوصول إلى الكعبة تصدق به على المساكين، بحيث يكون لكل مسكين نصف صاع من بُر، أو صاع من الذرة أو الشعير أو

<<  <  ج: ص:  >  >>