للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قيمة ذلك، فإن تعذر على المعتدي شيء من هذا لفقره كان عليه أن يصوم يوما لكل إطعام المساكين، ولا شك أن التخيير هنا ليس على حقيقته، إنما هو ترتيب مراتب على حسب القدرة على كل رتبة، فالأصل بلا ريب شراء هدْي، وذبحه عند الكعبة، فإن تعذر ذلك كان الطعام، فإن تعذر كان الصيام، وقوله تعالى: (أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ) أي ما يساويه من الصيام على أساس أن يكون لطعام المساكين وجبتين - صوم يوم، وقدرت الوجبتان بنصف صاع من بُر أو قيمته، أو صاع من غيره أو قيمته.

هذا هو الظاهر عند الحنفية، وروي عنهم أنهم قالوا بالتخيير إذا عرفت القيمة بين الذبح عند الكعبة، وبين إطعام المساكين، وبين الصوم، وعندي أن الترتيب حسب القدرة أوضح، وذلك هو رأي أحمد وزفر.

والمذاهب الأخرى تتلاقى في الجملة مع المذهب الحنفي بيد أنها تعتبر المماثلة في الأوصاف، وعندي أن المذهب الحنفي أوضح وأسهل تطبيقا، وأدق في تعرف المثل، وقد اضطروا إليه عند استبدال الطعام بالذبح، إذ لَا يعرف مقدار الطعام إلا بمعرفة القيمة.

(لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ) الوبال: العاقبة السيئة، ومعنى ليذوق أي ليدرك عاقبة الأمر الذي وقع فيه إدراك من يحسه ويذوقه؛ وذلك لأنه عمل على حرمان ناس من أن يذوقوا طعاما شهيا، كانوا ينالونه، فعليه أن يغرم نفسه مثله من طعام يذوقه في نظير ما حرمهم منه، فالعقاب من جنس الاعتداء: (. . . فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ. . .). وأن ما كان منهم من قبل، فإنه موضع عفو، لا يحاسب الله تعالى عليه في الدنيا ولا في الآخرة، فمعنى قوله تعالى: (عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ) أي أنه سبحانه لَا يطالب بتعويضه منهم؛ لأنه سلف ومضى منهم قبل التحريم، ولا يطبق القانون إلا على ما يجيء بعده، ولذلك قرر مؤكدا، أن العقاب يكون لما يقع بعده وللعائدين، وقال سبحانه: (وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ).

<<  <  ج: ص:  >  >>