للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي) الأكمه هو المولود أعمى، ويقال لمن طمست عينه بفقء أو نحوه: كمهت عيناه، والبرص داء إلى الآن لم يوجد له دواء يشفيه وقد يوجد دواء يجعله أسهل احتمالا مع بقائه.

وقد كان سيدنا عيسى يبرى الأكمه بإذن الله تعالى فيجعله مبصرا، وذلك يشبه إيجاد الحياة في غير الحي؛ لأن إيجاد البصر في غير المبصر، والمولود غير مبصر، وغير قابل للإبصار بحكم الأسباب الطبيعية يعد إنشاء وإيجادا، ويقاربه علاج البرص، لأنه بدوامه يشبه الذي يكون جبلة، وإذا كانوا لَا يعرفون سببا للشفاء فالله تعالى خالق الأسباب أجرى الشفاء على يدي عيسى عليه السلام، لأنه سبحانه فعال لما يريد، وكان معجزة لعيسى عليه السلام.

وهناك معجزة رابعة، وهي إحياء الموتى، وقد ذكرت هذه المعجزة في سورة آل عمران على لسان عيسى - عليه السلام - بما حكاه الله تعالى عنه بقوله: (وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ. . .). والمذكور هنا هو قوله تعالى:

(وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي) والنصان يتلاقيان في المؤدى، وإن اختلفا في اللفظ، فالأول يفيد أن سيدنا عيسى عليه السلام قد أجرى الله تعالى على يديه إحياء الموتى إذا لم يكن قد دفن، وذلك ما يدل عليه النص الأول، والثاني يدل على أنه قد أجرى الله تعالى على يديه إحياء الموتى بعد دفنها ووضعها في قبورها، فقد كان عليه السلام يجري الله تعالى على يديه إخراجها من القبور أي أنها تحيا في قبرها، وتخرج إلى الوجود في حياة.

وإحياء الموتى بعد الدفن أو قبل الدفن غير تصوير الطين طيرا ثم النفخ؛ لأن هذا إيجاد للحياة في جماد، والثاني إعادة للحياة وقد ذكرت كلمة (بإذني) في كل هذا، لبيان أن العمل ليس لعيسى، وإن جرى على يديه، إنما هو لله سبحانه وتعالى خالق كل شيء.

وقد كان موجب هذه البينات الباهرة القاهرة أن يؤمنوا، ولكن بني إسرائيل فيهم عناد وطغيان فكفر كثيرون، وهموا بأذى عيسى - عليه السلام - فكانت نعمة

<<  <  ج: ص:  >  >>