للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يمكن أن يدعي لنفسه ما ادعوه له؛ فالسؤال ليقر في المشهد العظيم بكذبهم وافترائهم على الله سبحانه وتعالى، وفي ذلك أبلغ توبيخ، وتجسيم لذنبهم وأوهامهم، وافترائهم على الله سبحانه وتعالى. والذين قالوا: إن عيسى وأمه إلاهان هم البربرانية من طوائف النصارى، ولم يستنكره غيرهم، فكأنهم أقروه، والذين لم يقروه، قالوا: إن الله ثالث ثلاثة الآب والابن وروح القدس.

والذين قالوا: إن عيسى وأمه آلهان من دون الله لم ينفوا ألوهية الله إذ لم يعرف عنهم أنهم نفوها، حتى يقال عنهم: إنهم قالوا: إن عيسى ابن مريم وأمه إلهان من دون الله أي غيره، والجواب عن ذلك أن من لم يؤمن بوحدانية الله تعالى بل أشرك غيره معه لَا يقال: إنه آمن بالله، واعترف بألوهية الله سبحانه وتعالى، لأنه لَا يعبد إلا الله وحده، أو نفسر (مِن دُونِ اللَّهِ) أي خلاف الله فكأنهم قالوا: إن هناك اثنين مع الله تعالى. . تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.

وقد بين الله تعالى إجابة عيسى - عليه السلام - بقوله:

(قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ) س بحانك معناها تنزيها لك عن هذا القول وتقديسا، وهي منصوبة على أنها مصدر لفعل محذوف، وتصدير سيدنا عيسى في ذلك اليوم المشهود - كلامه بذلك للدلالة على أنه أمر لا يليق في ذاته، فلا يمكن أن يصدر عن عاقل يعي ما يقول ويدركه، ففيه نفي مطلق للشرك وبيان للنزاهة والتقديس، وأنه هو الذي يسبح له وحده ثم بعد هذا التنزيه المطلق الذي كان نفيا مطلقا، أخذ ينفي عن نفسه هذا الكلام المحال، فنفي عنه بأنه ليس من شأنه أن يقول مثل هذا القول، بل ذكر استحالة أن يصدر عنه، وقال: (مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ). وفي هذا تأكيد للنفي من وجوه ثلاثة:

أولها - أنه نفَى أن يكون شأنه ذلك القول، فلا يمكن أن يصدر عنه، فهو لم ينف القول فقط، بل نفَى احتمال أن يقول، ونفَى احتمال القول أقوى في الدلالة من نفي المقولة.

<<  <  ج: ص:  >  >>