للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثانيها - أن كلامه يدل على أن ذلك غير معقول في ذاته، فكيف يقول.

ثالثها - أنه أثبت أنه مستحيل قوله لأنه ليس بحق. (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ). هذه الجملة تأكيد لنفي ما سئل. عنه، وهو أنه قال: (اتَّخِذُونِي وَأمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ).

إذ إنه لو كان قد حصل لعلمه الله تعالى، وما دام لم يعلمه، فهو لم يقع، ولا يمكن أن يقع؛ لأن الله لَا يغيب عن علمه شيء في الأرض ولا في السماء، وفى هذا النص فوق دلالته على عدم الوقوع بأبلغ تعبير إثبات شمول علم الله تعالى، وإنه بكل شيء محيط، وقد زكى هذا المعنى الجليل بقوله: (تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ). ففي هذا النص إثبات قصور علم الإنسان بجوار علم الله تعالى، وإثبات أن علم الله تعالى شامل لمطويات القلوب، وعلم الإنسان مقصور على ما يظهر من الجوارح فالله يعلم ما يخفَى في الصدور، والإنسان لا يعلم إلا ما هو ظاهر محسوس، أو ما يكشف عنه الظاهر المحسوس، فلا يعلم ما الخفي إلا ما يظهره الجلي، والنص يدل على نفي الألوهية من جهة ثالثة، لأن علم الله شامل لكل شيء لَا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وعلم عيسى من النوع القاصر الذي لَا يحيط إلا بالمحسوس أو ما ينبئ عنه المحسوس، فهو نفي للألوهية من طريق العلم، ثم هو موازنة من جهة ثانية بين نفس الإنسان المكشوفة لخالقه، وذات الله تعالى التي لَا يعلم البشر عنها إلا وحدانيتها، وما يعلمه للإنسان منها.

وقد أكد عيسى علم الله تعالى المحيط الذي يعلو عن الصفات البشر بقوله: (إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) أي إنك يا صاحب الجلالة تقدست أسماؤك تعلم الأمور المغيبة عن حسنا، والمكنونة في المستقبل علما دقيقا لَا يخفى منه شيء عليك، ولذلك عبر بصيغة المبالغة الدالة على الكثرة، وعلى الدقة وعلى الإحاطة

<<  <  ج: ص:  >  >>