للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أولها - أنه هو الذي أمر ربه، ولم يؤمر بغيره، وهو رسول من عند الله، ولا يمكن أن يكون الرسول قد أدى الرسالة على وجهها إلا إذا بلغ ما أمر به دون سواه، ولذا قال عليه السلام: (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ).

ما أمرتني أن أقوله وأبلغه، وإلا أكن غير مؤد للرسالة.

ثانيها - أنه لم يكتف ببيان أنه أدى ما أمر به إجمالا، بل ذكر حقيقة ما دعا مفسرا غير مجملا، إذ قال: (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ). فإن هي المفسرة، فهو يفسر ما أمر به وهو بين لَا إبهام فيه.

وثالثها - أنه أقام الدليل على استحقاقه وحده للعباده سبحانه: (رَبِّي وَرَبَّكمْ). أي أنه هو المستحق للعبادة لأنه هو وحده الذي خلقني، فأنا مخلوق، فكيف أكون إلها، وهو الذي خلقكم وحده فكيف تعبدون غيره؟!، وفي هذا التعبير أثبت وحدانية الخلق والتكوين ووحدانية الذات، كما أثبت تصريح اللفظ وحدانية العبادة.

وقد أكد عليه السلام أنه بلغهم تلك الحقائق، فقال كما حكى عنه ربه: (وَكنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ). أي كنت مشاهدا لهم رقيبا عليهم تعلم ما حاولوه من الزيغ والتحريف مدة بقائي فيهم، فما تركت تنبيههم إلى التوحيد في العبادة والذات والصفات والتكوين مدة إقامتي بينهم، ولما تركت الدنيا كنت أنت الرقيب.

(فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) في النص الكريم السابق ذكر - عليه السلام - شهادته عليهم وهو حي، قائم برسالته مؤد لها على وجهها، وفي هذا النص يذكر انتهاء مهمته بوفاته، ويفوض أمرهم إلى ربهم في ألطف تعبير وأدق إشارة.

والفاء للتفصيل كما تدل على الحالية والبعد به، والمعنى عند حد وفاتي ومن قبلها، ومن بعد كنت أنت وحدك الرقيب عليهم العالم بحالهم وأنت على كل شيء عالم بحالهم تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

وفقنا الله لما يحب ويرضى.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>