للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وراء أهوائهم، وفي هذه يؤكد قدرته وعلمه، وسعة إحاطته بالأحياء جميعًا، وقد قال الزمخشري في ذلك: (الغرض من ذكر ذلك سعة الدلالة على عظم قدرته ولطف علمه، وسعة سلطانه وتدبيره تلك الخلائق المتفاوتة الأجناس المتكاثرة الأصناف، وهو حافظ لما لها وما عليها مهيمن على أحوالها لَا يشغله شأن عن شأن، وأن المكلفين ليسوا بمخصوصين بذلك دون من عداهم من سائر الحيوان).

ومؤدى هذا الكلام إثبات أن علم الله تعالى الواسع كان من مقتضاه ألا يجيب ما طلبوا؛ لأنهم لَا يعلمون المآل، وهو يعلمه، كما يعلم كل حيوان من دابة تدب، وطائر يطير، ويعرف ما يحتاج إليه وما لَا يحتاجه، لقد بين الله سبحانه وتعالى عظم خلق الحيوان، وأنها جماعات وطوائف مخصوصة، كل طائفة تكون جنسا قائما، وقد فسرها الأصفهاني بقوله قوله تعالى: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِى الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِير بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم) أي كل نوع منها على طريقة قد سخرها الله عليها بالطبع، فهي من ناسجة كالعنكبوت، وبانية كالشرنقة، ومدخرة كالنمل، ومعتمد على قوت وقته كالعصفور والحمام، إلى غير ذلك من الطبائع التي يخصص بها كل نوع. والنص فيه تعميم للأنواع كلها لأن اجتماع (ما)، و (من) يدل على الاستغراق للجماعات والآحاد معًا، فهي في علم الله تعالى جماعات وأجناس وطبائع مختلفة مثلكم - وقوله تعالى: (وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ) لإفادة التعميم في أن علمه تعالى يشمل الطائر في الجو، كما يشمل الدابة التي تدب في الأرض، والطائر الذي يطير، فذكر الذي يطير بجناحيه يدل على علم الله تعالى على ما في الأرض من دواب تدب، وأسماك ولآلئ تسبح، وما في الجو من طيور تطير، وكل هذه أجناس ذات طبائع مختلفة، وذكر الجناحين في الطير لتوجيه الأنظار إلى الإبداع في الصنع مع جمال التكوين والقدرة.

وفى ذلك بيان لقدرة الله تعالى، وبيان لأن الإنسان لَا يصح أن يعلو ويستكبر فأمثاله من الأحياء عدد كثير، وليس عددًا قليلا.

<<  <  ج: ص:  >  >>