للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

محُدِّثا عن الغيب، وقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لَا يعلم الغيب، وأمره الله تعالى أن يقول: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١٨٨).

وقد كانوا يقولون إنهم يريدون ملكًا رسولا. وقد أخبر تعالى عنهم:

(. . . مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ. . .). وقد تولى الله سبحانه وتعالى ردهم في هذه الآيات، وأمره بأن يقول لهم:

(قُل لَا أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَائِنُ اللَّهِ) أمره الله تعالى بأن يحدد مضمون الرسالة، ولا يتوهموا أن الرسالة تقتضي أن يكون الرسول مالكًا للأموال والخزائن، ولا أن يكون عليما بالغيب، وأن الرسول لم يدع شيئًا من ذلك، وإن الرسول ليست له خاصة إلا أنه يبشر وينذر، وأنه يوحى إليه من رب العالمين، وأنه مع من يدعوهم يتبع ما يوحى إليه من ربه.

إن الرسالة الإلهية يضعها الله تعالى في عباده المصطفين الأخيار من البشر، (. . . اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ. . .)، وإن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - ما تطاول بفضل مال ولا ثروة، ولا غنى، ولكنه كان فقيرًا بين الفقراء قريبا منهم متدانيا إليهم يخفق قلبه معهم، ويحس بآلامهم، وكان من البشر، ليخاطب البشر، (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ). وإن التفوقة ليست بالغنى والفقر، وإنما التفوقة بالهداية والضلال، والعلم والجهل؛ ولذا قال سبحانه في التفوقة بين من استبصر وأدرك ولو فقيرًا، وبين من ضل وغوى، ولو كان غنيا.

(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ).

أمر الله تعالى نبيه بأن ينبههم إلى أنه لَا يستوي العالم والجاهل والمهدِي والضال، والرشيد والسفيه، وكان أمر الله تعالى بذلك لنبيه، وتكرار الأمر بأن يقول لهم ما يقول، لفضل التنبيه، ولتقوية الإيمان بأنه يتكلم عن ربه، ولأنه الذي يتولى محاجاتهم، والاستفهام هنا لنفي الوقوع مع التنبيه إلى هذا، والمراد من

<<  <  ج: ص:  >  >>