للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والعشي: المراد في الصباح والساء، أي أنهم في عامة أوقاتهم ذكروا الله تعالى ربهم الذي خلقهم وكلأهم وحماهم، يريدون وجه الله، لَا يقصدون عرضا من أعراض الدنيا، وينصرفون إليه تعالى لَا يريدون إلا ذاته الكريمة ولا يقصدون سواه، فكيف يطرد هؤلاء لأجل ناس لَا يعرفون إلا عرض الدنيا وإن الله تعالى قد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يكون مع هؤلاء، فإنهم قوة، والإيمان يملأ النفس قوة؛ لأنها قوة الصبر، ولذلك قال تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (٢٨).

(مَا عَلَيْكَ مِنْ حسَابِهِم مِّن شَىْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَىْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ).

جاء هذْا النص الكريم بعد قوله تعالت كلماته: (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) أي يقصدون بعبادتهم ذاته العلية ولا يقصدون شيئًا سواها، مهما يكن، وإن الله تعالى يتولى حسابهم بالجزاء، وما يعود عليك من حسابهم شيء ولا يعود عليهم من حسابك شيء فهم عباد مجزيون بأعمالهم، كما أنك يا محمد مجزي بعملك، فليس لك أن تطردهم، وهذا التعبير (مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَىْءٍ) يشبه ما نقل عن نوح - عليه السلام - في قول الله تعالى: (قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (١١١) قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١١٢) إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (١١٣).

ويؤدي التعبير على هذا أن هؤلاء آمنوا بربهم وحسابهم عند ربهم، وما عليَّ من حسابهم من شيء، كما لَا يحاسبون على عملي، فكل له عمله، فكيف أطردهم، ولذلك قال تعالى: (فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) أي فإن طردتهم استجابة لغيرهم وأنت لَا تتحمل مغبة أعمالهم، ولا ما هم فيه كنتط من الظالمين؛ إذ لَا وزر كان منهم يستوجب الطرد إلا مسارعتهم للإيمان بما جئت وتلكؤ غيرهم، إن ذلك لظلم عظيم إن كان، ولا يمكن أن يكون من محمد - صلى الله عليه وسلم -.

<<  <  ج: ص:  >  >>