للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رحمة بهم، أن يذكرهم دائما رحمة لمن يهتدي، ويطلب الحق، ويشغل به نشحه، فقال تعالى: (وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ).

الضمير في " به " قال أكثر المفسرين: أنه يعود على القرآن، والقرآن في حضور كل ذهن فكأنه مذكور يعود الضمير عليه، وأميل إلى أن الضمير الذي يعود إلى الدين الذي هم مكلفون أن يأخذوا به، ويتبعوا هديه، وإن الله تعالى مع أمره نبيه أن يتركهم فلا يلتفت إلى هزلهم وعبثهم واستهزائهم بالمؤمنين، أمره بأن يستمر في تذكيرهم بالدين تبليغا لرسالته التي أنزلت عليه، ولا يأخذنه الأذى الذي ينزلونه به وبمن معه، فذلك هو ما يصيب دعاة الحق، ولكن يجب مع الإعراض عن لعبهم ولهوهم أن يستمر في دعوته ومثله معهم كمثل المربي الكامل الذي لَا يهمه عبث تلاميذه، يعرض عنه، ولكن يستمر في هدايته لهم.

وذكر بالدِّين كراهة أن تبسل نفس بما كسبت، والابتسال: معناه في اللغة الإسلام إلى الهلاك، وأن تؤخذ بسوء ما اختارت.

والمعنى الجلي لَا تشغل نفسك بلهوهم وعبثهم، ولا يمنعنك ذلك من أن تستمر في تذكيرهم، حتى لَا يسلموا إلى الهلاك ويمنعوا من الخير، ويكون نصيبهم جهنم وبئس المصير، وإنك منذر، ولكل قوم هادٍ.

وإنه في هذه الحال لَا منجاة لهم منها، فلا ينقذهم منها ولي يناصرهم، ولا شفيع يشفع لهم، إذ هي الهلاك الدائم والعذاب المستمر؛ ولذا قال تعالى: (لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ وَلِى وَلا شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا) وإذا أسلموا إلى الهلاك في جهنم لَا يكون لهم من غير الله ولي يناصرهم أو يواليهم بمقتضى القرابة أو العصبة التي كانوا يتنادون بها، أو شفيع يشفع، ويترضى عنهم، وإن يقدموا ما يستطيعون من فداء لَا يقبل منهم فلا ولاية ولا شفاعة ولا فدية من عذاب أليم، فالعدل: هو الفداء الذي يعادل ما ارتكبوا، ويخرجون به من النار والعذاب، ومعنى (وَإِن تَعْدِلْ)، وإن تقدم فداء؛ يكون عدلا، لَا يؤخذ منهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>