للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولقد قال المفسرون أو الكثير منهم: إنه ما قال في واحدة هذا ربي مؤمنا بذلك أو ظنا له، وإنما قاله مسايرة لهم في اتجاههم ليبين من وراء ذلك بطلان ما يعتقدون على أساس أن تساير مجادلك فيما يعتقد، ثم تبين نتيجة قوله، وأنه ينتهي إلى غير الحق فتأخذه معك إلى الحق برضا واختيار، أو بقطع وإفحام.

وقال بعض آخر من المفسرين: إنه يتلمس الإله الذي يعبد بحق، بفطرته المستقيمة المدركة التي أدرك بها أنه لَا يمكن أن يكون ما يجري عليه الأفول إلها، فهو عندما قال: هذا ربى على النجم وقد كان يظنه ربا، فلما أفل عدل عن وصفه بالربوبية.

وهذا ما نراه، لأنه يتفق بعد ذلك مع قوله عندما رأى بزوغ القمر وأفوله إنه علم أنه ضال إن اعتمد على تفكيره من غير أن تلمسه نعمة الهداية من الله الذي علم مظاهر ألوهيته، وتلمسها فيما يعتقد قوِم أبيه في الكواكب والنجوم -، والشمس والقمر، وقال: (لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) أقسم أنه أصبح في حاجة إلى هداية من ربه يهتدي بها في هذا الديجور، فاللام لام القسم، واللام الأخيرة في جوابه، وأكد أنه يكون من الضالين الذين لَا سبيل عندهم إلى الهداية إلى الحق في الألوهية، إن لم يهده ربه الذي لَا يعرفه، ويريد أن يعرفه.

وإن هذا الكلام يدل على أنه يعلم أن له ربا هو الذي أنشأه ورباه، ويقوم على حفظه وصيانته، ولكن ما هو؛ لقد تلمسه في كوكب ساطع من الكواكب في دُجُنَة الليل البهيم كأهل بلده، فلم يجده، وتلمسه في القمر فلم يجده، فاتجه طالبا الهداية إليه، وإن كان لم يعرفه في النجوم.

ثم عاوده طلب المعرفة في الشمسِ الساطعة التي هي ضياء الوجود، وتمده بالدفء والحرارة.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>