للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ) والمحاجة أن تكون مناظرة، ويقدم كل واحد من المتناظرين حجته ويدلي ببرهانه، وقد عجب إبراهيم - عليه الصلاة السلام - أن يحاجوه في الله تعالى منكرين له، وقال: (أَتُحَاجُّونِّي فِى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ). والاستفهام إنكاري لإنكار الواقعِ، وإنكار الواقع توبيخ، فهو يوبخهم ويؤيسهم من نتيجة المحاجة فيقول (وَقَدْ هَدانِ) أي أنه لَا مطمع لكم في أن أعود إلى عبادة الأصنام وقد هداني الله تعالى ووفقنى لأن أدرك أنه وحده المعبود بحق، ولا معبود سواه.

وتدل الآية الكريمة على أن أوهامهم زينت لهم أن أصنامهم قادرة على إنزال الأذى فخوفوه من الأذى، وقد ذكر سبحانه وتعالى محاجتهم لإبراهيم - عليه السلام - في مواضع من كتابه العزيز، فقد قال تعالى: (قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (٥٥) قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٥٦).

وجاء في محاجتهِم: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (٦٩) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (٧٠) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (٧١) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (٧٣) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (٧٤) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (٧٦) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (٧٧) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (٨٢).

هذه عبارات من المحاجة التي أثبت بها أنه سبحانه وتعالى هداه، ولا يصح أن يتوهموا أنه يعود إليهم بعد أن هداه الله وقد هددوه بأن تصيبه آلهتهم بأذى رجاء أن يخاف ويسكت عن أصنامهم فحطمها، وجعلها جذاذا إلا كبيرها.

ولكنه قد اعتصم بالله تعالى، وهو يرى أنها لَا تضر ولا تنفع، وهكذا نجد العقل والهدى في صدام مع الوهم والضلال؛ ولذا قال لهم في إدراك عقلي مستقيم:

<<  <  ج: ص:  >  >>