للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يمكنوه من رؤية القتيل، فإن ذلك يجعله يقشعر ويحس بعظيم ما ارتكب، وربما حمله ذلك على الاعتراف، والاعتراف سلطان الأدلة.

وإنه يزكي كلام المرحوم الأستاذ النجار ما يأتي:

أولا: أن القصة الثانية: وهي قصة القتل ابتدأت بقوله تعالى: (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا)، ولذلك لم يسع الزمخشري وهو الذواق للبيان القرآني إلا أن يذكر أنهما قصتان، وإن كان قد حاول أن يصل بينهما بأن الضمير في قوله تعالى: (اضْرِبوهُ بِبَعْضِهَا) يعود على البقرة، مع البعد بينهما بطائفة من القول، وعدم ظهور ذلك العود على البقرة.

الثاني: أن الضمير في (اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا) إذا عاد إلى النفس المقتولة يعود إلى أقرب مذكور، وعودة الضمير إلى أقرب مذكور هو القاعدة العامة إلا إذا أدى فيها الأمر إلى شذوذ غير معقول، أو كان ذلك مستحيلا.

الثالث: أن عود الضمير على النفس يؤدي علما نفسيا اجتماعيا هاديا مرشدا، فيكون في ذلك فائدة جديدة لم تكن في قصة البقرة، لأن قصة البقرة تدل على عناد بني إسرائيل وتأثرهم بأهواء المصريين في تقديس العجل.

الرابع: أن الآية اختتمت بقوله تعالى: (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) وهو يدل على أن الموضوع يحتاج إلى تدبر، وفكر رشيد، وإدراك لمرمى التكليف.

وما نراه أن الفرق بين رأي المفسرين، ورأي المرحوم الأستاذ النجار أن اتجاه المفسرين إلى جعل مسألة البقرة مسألة معجزة، وأمرا خارقا للعادة على أساس أن الضرب ببعضها يحيي نفسا ميتة على أساس أن ذلك دليل حسي على إمكان البعث وقربه، والرحوم النجار يرى أن ذلك تكليف اجتماعي ينبه العقول إلى أمر مقرر ثابث في الدراسات النفسية والاجتماعية.

ونحن نميل إلى رأي الأستاذ النجار، لأنه لو كانت الحياة من الضرب ببعضها لأدى ذلك إلى إشباع ما في نفوسهم من أوهام حول تقديس البقر كما كان يتوهم

<<  <  ج: ص:  >  >>