للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد ذكرنا أن هذا رأي الأكثرين، وهو ينتهي إلى معنى الخلق، ولكنه خلق عن طريق التوالد الذي يتولاه الله سبحانه وتعالى فيتولد بخلق الله وتكوينه من الحب الذي يبدو جامدا - زرع أخضر، وحب متراكب، ويتولد من النواة التي تبدو كأنها جماد لَا حياة فيها - شجر عليه ثمر، وفي الثمر نوى، فهو توجيه من الله تعالى إلى خلق خاص، لَا مجرد خلق النواة والحبة، ولكن ما يتولد عن النواة والحبة من نوى وحبوب.

وإذا كانت الحياة تخرج من هذا الجامد الذي يبدو بادي الأمر أنه لَا حياة فيه، فيخرج منه، ولذا قال تعالى: (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيتِ مِنَ الْحَيِّ).

هذه الجملة السامية الأكثرون على أنها في معنى التفسير لـ فالق الحب والنوى، ويكون قوله تعالى: (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) أي يخرج من ذلك الزرع، وذلك الشجر، وهما من الأحياء من الحب والنوى اللذين هما كالجماد الذي لا حياة فيهما في مظهرهما، وبذلك لَا يقال كيف تعد الحبة ميتة، أو النواة كذلك، وهما يطويان في أنفسهما بذرة الحياة، ولا يعدهما علماء النبات من الأموات.

وقوله تعالى: (وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ) أي أن هذا الحي، وهو الزرع والشجر، يخرج منه الذي يشبه الجماد، وإن كان فيه أصل عنصر الحياة، فقوله تعالى: (وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ)، معطوف في الظاهر المتبادر على (يخرج)، وقالوا إنه يجوز عطف اسم الفاعل، على الجملة المصدرة بفعل مضارع، لأن اسم الفاعل في معناه.

وقد يسأل سائل لماذا عبر بالمضارع، ثم عبر باسم الفاعل؟ ونقول في ذلك: أن التعبير باسم الفاعل يدل على تصوير الفعل، وهو الحياة، وتجددها آنًا بعد آنٍ، فيبتدئ بنبت، ثم يخضر ثم يكون له سوق، فهو يصور تدرج الحياة فيه بحكمة الله تعالى، وكذلك في النواة فالحياة فيها تبتدئ مما يشبه النبت، ثم تكون عودا فشجرة، أما الحبة أو النواة التي تجيء من الزرع أو الشجرة، فإنها تكون نهاية التجديد، وتظهر دفعة واحدة؛ ولذا كان التعبير باسم الفاعل.

<<  <  ج: ص:  >  >>