للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي يترتب على سب ما يدعونه من دون الله بالباطل سب الله تعالى ظلما وعدوانا جهلا، وقد فسرنا السب بأنه الشتم، وليس من الشتم وصف الأوثان بأنها لَا تنفع ولا تضر؛ لأن القرآن الكريم وصفها بذلك الوصف والقرآن ليس فيه شتم ولا سب، وما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - فحاشا ولا سبابا؛ ولذلك يجب أن يفسر السب بغير ذلك، ولقد استنبط العلماء من الآية أنه يجوز ترك الحسن إذا أدى إلى معصية، وهو ما يسمى في الفقه " سد الذرائع " أي منع ما يؤدي إلى الفساد اتقاء إليه، ولو كان في ذاته حسنا، وإنه يوازن بين الفعل وما يؤدي إليه، فإن كان الضرر الذي يؤدي أكثر من النفع الذي يكون من الأمر، قدم دفع الضرر الكثير على النفع القليل، بل إن القضية الأصولية " دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة ".

وإن ذلك أصل ثابت قد قررته هذه الآية الكريمة، وقد قال الإمام الزمخشري في ذلك: (فإن قلت: سب الآلهة حق وطاعة فكيف صح النهي عنه، وإنما يصح النهي عن المعاصي، قلت: رُبَّ طاعة علم أنها تكون مفسدة، فتخرج عن أن تكون طاعة فيجب النهي عنها؛ لأنها معصية، لَا لأنها طاعة، كالنهي عن المنكر، وهو من أجل الطاعات، فإذا علم أنه يؤدي إلى زيادة الشر، انقلب إلى معصية، ووجب النهي عن ذلك، كما يجب النهي عن المنكر، فإن قلت: فقد قال الحسن: لو تركنا الطاعة لأجل المعصية لأسرع ذلك في ديننا، قلت: ليس هذا مما نحن بصدده لأن حضور الجنازة طاعة، وليس بسبب لحضور النساء؛ فإنهن يحضرنها، حضر الرجال أم لم يحضروا، بخلاف سب الآلهة).

وقد كان كلام الحسن ردا على ابن سيرين إذ امتنع عن السير في الجنازة؛ لأن فيها النساء.

ويلاحظ على كلام الزمخشري أنه عدَّ سبَّ الآلهة طاعة، كأن الدين أمرنا بسب الآلهة!! إن القرآن ومحمدا - صلى الله عليه وسلم - لم يأمرانا بسبِّ قط، وقد قلنا إن وصف

<<  <  ج: ص:  >  >>