للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عن الب معناها إلى طرف من أطرافه؛ لأن الحرف أصله الطرف دون اللب والوسط فهم يتجهون إلى التعلق بغير لب القول.

والتحريف إمالة القول إلى غير معناه، وهذا هو النوع الثاني، وقال الراغب الأصفهاني في مفرداته ونص كلامه " تحريف الكلام " أن تجعله على حرف من الاحتمال يمكن حمله على الوجهين. قال عز وجل: (يُحَرِفُونَ الْكلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ. . .) (يحَرِّفونَ الْكلِمَ مِن بَعدِ مَوَاضِعِهِ. . .)، (وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).

والتعريض بـ " ثم " يفيد البعد المعنوي بين ما سمعوه وعقلؤه، وتدبروه، وعرفوا غايته، وبين التحريف الذي حرفوه مما يدل على فساد نفوسهم، وضلال قلوبهم.

وأخبر سبحانه وتعالى أن التحريف من بعد ما عقلوه، وعرفوه عرفان الخبير المدرك، الفاهم، لَا أنهم حرفوا عن غير علم ومن غير معرفة بمدلولات الألفاظ ومراميها، ومقاصدها، وغاياتها، فتحريفهم بقصد التضليل، ومن يقصد التضليل يكون قلبه مصروفا عن الحقائق فلا يدركها، ولا يذعن لها إن أدركها، بل هو يصد عن سبيلها.

ثم أكد سبحانه وتعالى سوء مقصدهم، وغاية عملهم، فقال تعالى: (وَهُمْ يَعْلمُونَ) أي وهم يدركون الكلام الذي سمعوه، ويعرفون مرماه ومقصده، ومع ذلك يحرفونه آثمين فاسدين مفسدين.

هذا على اعتبار أن الذي خاطب الفريق محمد - صلى الله عليه وسلم - وأتباعه.

ويجب في مقام ذكر معاني هذه الآية أن نذكر أمورًا ثلاثة:

أولها: أن الذين حرفوا القول عن مواضعه فريق منهم، وليسوا جميعهم، فكيف يكون اليأس من إيمان كلهم بعمل فريق والجواب عن ذلك أن الفريق الذي سمع أرضى بقوله الفريق الذي لم يسمع، بل إن الفريق الذي لم يسمع كان معرضا

<<  <  ج: ص:  >  >>