للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ ... (١١٢)

* * *

إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصابر المشركين ويتحمل أذاهم هو وأصحابه، ويتحمل معاندتهم له، لَا يرضون القرآن دليلا على نبوته، وقد عجزوا عن أن يأتوا بمثله أو بعضه، وأقروا صاغرين بعجزهم، ولكن لم يمتنعوا هم عن معاداته بالباطل متخذين كل ذريعة سبيلا لباطلهم.

والله تعالى يثبت فؤاد النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن ذلك كان للنبيين من قبله، وكان مألوفا، وهو سنة الله تعالى في رسالاته فقال تعالى: (كذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا) أي كذلك الذي تراه من عداوة نفر من المشركين ولجاجتهم في العداوة، حتى لَا يتركوا بابا من أبواب الكيد إلا سلكوه، ولا مسلكا من مسالك الإعنات إلا اتخذوه، كذلك جعلنا لكل نبي عدوا من شياطين الإنسان والجن، وشياطين الإنس هم أولئك الذين ناصبوك العداوة، وشياطين الجن هم أعوان إبليس الذين يوسوسون، ويأمرون بالسوء والفحشاء ويسولون كل قبيح، ويزينونه، ويسمونه بغير اسمه، فهؤلاء يدفعون النفس الأمارة بالسوء، وأولئك يستجيبون لهم، ويفترون بوسوستهم، ولذلك قال تعالى: (يُوحِي) الوحي: الخطاب الخفي أو التوجيه الخفي، كما قال الله تعالى: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتَا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ).

فالوحي هنا هو التوجيه الخفي الذي يوسوس في الناس فيلقي في نفوسهم بتغريرهم، بزخرف القول، فيوهم بأن الكفر إكرام للآباء، وأن تقليدهم تعصب لهم، وأن الانطلاق من كل القيود الخلقية مروءة، وأن المعاندة هداية، وأن إهمال حكم العقل هو الاتباع، وهذا معنى قوله: (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>