للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن هذا النص الكريم يبين كيف يبتدئ الشر في النفس:

فهو يبتدئ أولا: بالميل إليه واستحسانه، وكما يقول الدارسون للنفس الإنسانية: أول الشر استحسانه. وثانيا: بالرضا به خلقا وقولا، فالرضا أعلى من الميل المجرد في مراتب الإدراك النفسي، والقلبي. وثالثا: بالعمل على مقتضى ما مال إليه وارتضاه؛ ولذا ختم الآية بقوله جل كلامه عن الشبيه والمماثل، (وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ) أي ليرتكبوا من المعاصي ما شاءوا أن يرتكبوا حتى يكون اقتراف المعاصي وصفا ملازما لهم لَا يفترقون وهناك بقراءة اللام بالسكون في قوله تعالى (وَلِيَقْتَرِفُوا) ويكون الأمر للتهديد، والإشارة إلى فساد طواياتهم، كأنه وراء الرضا الارتكاب، فليرتكبوا، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا لم تستح فاصنع ما شئت " (١) كأنه لَا حاجز بين الإنسان والشر إلا الرضا به، فإذا رضي فقد زال وفتح باب الشر فليلج فيه. وهذا يدل على التهديد والإنذار ببلوغ نهاية الشر، والوصول إلى غايته، فليفعل ما يشاء والعاقبة والمآل إلى الله، وهو يستقبلهم بعذاب جهنم وبئس المصير.

إن الكافرين يريدون آية غير القرآن، والله تعالى هو الذي اختار القرآن آيته الكبرى ومعجزته الخالدة الباقية فإذا كان يستمع إليهم، فقد اختارهم حكاما على آية الله تعالى التي اختار، وذلك أمر منكر لَا يرضاه مؤمن، ولا يرضاه محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ ولذا قال الله تعالى على لسان نبيه الأمين:

* * *


(١) رواه البخاري: أحاديث الأنبياء - حديث الغار (٣٤٨٣). كما رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد ومالك. أما أبو داود فقد رواه بلفظ: " إذا لم تستح ".

<<  <  ج: ص:  >  >>