للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سبحانه إلى السبب في عدم صدقهم، فقال تعالت كلماته: (وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا)، أي غرهم ما فيها من متع، تسلط بها الجن على الإنس فضلوا وأضلوا، ولذا قال سبحانه بعد ذلك عنهم:

(وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ).

كانت الشهادة الأولى على أنفسهم بأنهم جاءتهم الرسل، ثم ذكر ما يشير بأنهم لم يؤمنوا بالرسل، إذ غرتهم الحياة الدنيا، فدلاهم بغرورها، (واستجابوا لغواية الأبالسة)؛ ولذا كان تكرار الشهادة والإقرار، وإذا كانت الشهادة الأولى إقرارًا بأن الرسل دعتهم إلى الحق، فالشهادة الثانية إقرار بأنهم دعوا إلى الحق وكفروا به، ولذلك قال تعالى: (وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كَافِرِينَ) وهي إقرار على أنفسهم بالكفر، وهي شهادة تنطق بها ألسنتهم وجوارحهم وقلوبهم، كما قال تعالى في آية أخرى: (يوْمَ تَشهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ).

ولقد اعترض بأنه ذكر أنهم يكونون في حال فتنة، ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا: والله ربنا ما كنا مشركين، وقد أجيب عن ذلك بجوابين: أولهما - أنهم كانوا في اضطراب من هول الموقف، فمرة ينكرون، وذلك بسبب ما فتنوا به، وما أخذت به نفوسهم المضطربة الحائرة.

وثانيهما - أنهم في حال الإنكار كانوا في اضطراب، ولم يكن كشف لهم المكتوب عليهم، والمسجل عليهم في كتابهم فقد كتب عملهم في سجل، كمن يكون في حساب وتحقيق في القضاء فينكر ابتداء، فإذا عرض عليه فعله المسجل اضطر إلى الإقرار، لأنه يحس بأنه لَا مناص من أن يقر، والله أعلم بما يكون في يوم القيامة.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>