للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإنه في هذا المقام المهدد المنذر الذي يحملهم الله سوء ما يعملون - يأمر نبيه بأن يناديهم نداء يقربهم ولا يبعدهم ويدنيهم ولا يجافيهم، فقال تعالى: قُلْ يَا قَوْمِ) فأمره تعالى بأن يناديهم بما يربطه بهم، وهو أنهم قومه الذين تربطهم رابطة النسب، فيحب خيرهم، وإنهم إن كذب الناس جميعا لَا يكذبهم، فهو يناديهم بنداء المحب الذي لَا يعادى ولكن يذكرهم بالحقائق التي لَا تقبل مداجاة (١)، ولا مواربة، وكأنَّه إذ يحملهم تبعة ما يعملون لَا يبعد عنهم بل يدنيهم، ليهديهم، فالهادي لَا بد أن يكون قريبا من أنفس من يتصدى لهدايتهم، ولقد ذكر من بعد ما يشير إلى العاقبة، وأنهم سيعلمونها علم البيان، فقال: (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ).

(الفاء) هنا لترتيب ما بعدها على ما قبلها، و (سوف) هنا لتأكيد الوقوع في المستقبل، أي سوف يعلمون بالعيان لَا بالخبر من له عاقبة الدار، و (العاقبة) النهاية التي تعقب ما يسبقها من أسباب تؤدى إليها، و (عاقبة الدار) المراد بها نهاية هذه الدار، وعاقبتها تكون لمن، والدار هنا قد تراد بها مكة وما حولها مما يسيطرون عليه، أو البلاد العربية، أو الدار الدنيوية على العموم.

أي سوف تعلمون من تكون له في النهاية، وفي عاقبة الأعمال الدار والسلطان، فالمراد من تكون له العاقبة في الدار والسلطان، وينصره الله تعالى حيث يكون لأهل الحق السلطان.

ويصح أن يراد الآخرة، وعندي أنه يراد الداران، أما الدار الآخرة، فأمرها إلى الله تعالى، وقد أشار سبحانه وتعالى أن النعيم المقيم يكون للمؤمنين، والجحيم يكون للكافرين.

وأما في الدنيا - وهذه الآيات قد نزلت بمكة - فإنه قد آل أمر البلاد العربية من اليمن إلى حدود الشام إلى المؤمنين في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وصارت الكلمة للمؤمنين، وحقت كلمة الله تعالى: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِى الْحَيَاةِ الدُنْيَا


(١) المداجا ة: المداراة. الصحاح (دجى).

<<  <  ج: ص:  >  >>