للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالذين يدعون إلى منع النسل الآن خشية الإنفاق أو للإملاق يدعون بدعوة الجاهلية لعنهم الله وأخزاهم.

وقد ذكر الله تعالى ما توسوس به الأنفس، - والأوهام المسيطرة، ونهاية ما تؤدى إليه فقال سبحانه:

(لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ).

(اللام) للتعليل أو ما يسمونها لام كي، وهي مع كونها تعليلا هي بيان نتيجة قتل أولادهم، ذلك أن النتيجة أن يوقعوهم في الردى هو الهلاك، فمآل قتل الأولاد سواء أكان بالوأد، أم كان بالقتل خشية الفقر، أو للفقر، وقد يكون ذلك بالعمل على منع النسل، بالعزل أو نحوه، مما سماه النبي - صلى الله عليه وسلم - " الوأد الخفي " (١) فإن ذلك يؤدي إلى منع نسل الأمة، ومنع نسل الأمة هلاك لها، وفناء تدريجي لقوتها، فالولد قوة، والعرب يعتزون بكثرة النفر.

وقال تعالى: (وَليَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ) أي ليخلطوا دين إسماعيل الذي كان الحنفية كدين أبيه إبراهيم، بأوهام كاذبة، وبذلك يفسدونه، وقد أفسدوه بالشرك، وأفسدوه أيضا أن أدخلوا فيه ما ليس من الدين ولا بأمر من الله ونهيه، كما فعلوا في جعل نصيب الله تعالى مما ذرأ من الحرث والأنعام، ومن قتل الأولاد، فإن هذا خلط ما ليس بالأصل الديني، وبذلك ضلوا سواء السبيل.

(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ)

إن الله سبحانه وتعالى قدر لهم الضلالة، إذا ستروها، وتركوا الهداية، وسلكوا سبيلها فاختارها الله تعالى لهم، بعد أن اختاروها لأنفسهم، وإن الله لا يظلم الناس شيئا، ولكن الناس أنفسهم يظلمون، وإذا كان الله تعالى قد كتب عليهم ذلك، فعن مشيئته صدر فعلهم، ولو شاء ألا يفعلوه ما فعلوه، ولكنه شاء


(١) رواه مسلم: النكاح - جواز الغيلة، وكراهة العزل (١٤٤٢). عن عائشة رضي الله عنها. كما رواه الترمذي وأبو داود وأحمد ومالك وابن ماجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>