للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفى هذه الآية أدلة ثلاثة أحدها - أن التغيرات لَا بد لها من مغير. الثاني - على المنة سبحانه وتعالى علينا، فلو شاء إذ خلقنا ألا يخلق لنا غذاء، وإذا خلقه ألا يكون جميل المنظر طيب الطعم، وإذا خلقه كذلك ألا يكون سهل الجني، فلم يكن أن يفعل ذلك ابتداء؛ لأنه لَا يجب عليه شيء. الثالث - على القدرة في أن يكون الماء الذي من شأنه الرسوب يصعد بقدرة الواحد علام الغيوب من أسافل الشجرة إلى أعاليها، حتى إذا انتهى إلى آخرها أنشأ فيها أوراقا ليست من جنسها، وثم خارج، من صفته الجرم الوافر، واللون الزاهر، والجني الجديد، والطعم اللذيذ، فأين الطبائع وأجناسها، وأين الفلاسفة وأناسها، هل في قدرة الطبيعة أن تتقن هذا الإتقان، أو ترتب هذا الترتيب العجيب، فلا يتم ذلك في العقول إلا لحي عالم قدير مريد، فسبحان من له في كل شيء آية، ونهاية. وإن هذا الكلام كما ترى يتجه إلى أمرين هما أساس التوحيد: أولهما - أن الله تعالى خلق كل شيء بإرادته المختارة، وثانيهما - أنه قائم على هذا الوجود، وأنه وحده الذي يَربّهْ، ويدبر أمره، وهو الحي القيوم الذي لَا يماثله أحد فيه، ولو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا، فسبحان الله رب العرش عما يصفون.

(كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ).

قوله تعالى: (كلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ) الأمر فيه للإباحة؛ لأن الأكل من جنس الثمر ليس بواجب، ولكنه مباح، وقوله تعالى: (إِذَا أَثْمَرَ)، إشارة إلى وقت الإباحة، فهو إباحة وإرشاد بألا يأكل قبل أوان الإثمار فإن ذلك قد يضر ولا ينفع؛ لأن الفج من الثمار يضر الأجسام ولا يفيدها، فوق ذلك أنه إتلاف لَا فائدة (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) أهو الأمر فيه للندب أم للوجوب، ومن المؤكد أنه ليس للإباحة؛ لأن أشعبير بحقه، يفيد أن الإيتاء لصاحب الحق، والإيتاء لصاحب الحق في المال لَا يمكن أن يكون مخيرا فيه بين الإعطاء والمنع، وقد اختلف الفقهاء؛ أهو واجب فتكون زكاة المال قد ثبتت قبل الهجرة، مع أن الثابت أن

<<  <  ج: ص:  >  >>