للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بعد هذا بين سبحانه وتعالى أنه قد يحرم طيبات هي في ذاتها طيبات، ولكنها تزيد أدواء بعض النفوس، فيكون التحريم خاصا بمن حرم عليهم، ولا يكون عاما لكل الناس، كالدواء يكون غير جائز للأصحاء، ولكنه لازم للمرضى.

واليهود أصيبوا بالتخمة والترهل، وأدى ذلك إلى خمول وكسل، ومع الخمول والكسل، يكون القعود، ودعاهم سيدنا موسى إلى أن يدخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لهم أن يدخلوها، لَا أن يملكوها لهم دون سائر الناسِ، قالوا له متخاذلين بسبب ترهل أجسامهم: (إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُون).

ويقولون أيضا: (قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدونَ).

كان لَا بد من علاج لترهل أجسامهم وذهاب النخوة من نفوسهم. أما الثاني فرباهم على اليأس بأن يعيشوا في الأرض تائهين في صحرائها، فقال تعالى: (. . . فَإِنُّهَا محَرَّمَة عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ. . .)، وأما الأول وهو ترهل الأجسام وكسلهم، فقد عالجه سبحانه بأن حرم عليهم ما يؤدي إلى ترهل الأجسام من شحوم، ولحوم تربي الدهن في الأجسام، وتثقل عليهم حركاتهم. ولذا قال سبحانه.

(وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كلَّ ذِي ظُفُرٍ) حرم الله تعالى على اليهود كل ذي ظفر من الأنعام. وذو الظفر - كما قال ابن جرير رضي الله تعالى عنه - كالبهائم التي لم تكن مشقوقة الأصابع كالإبل، والطير والأنعام والأوز والبط، والحيتان.

ويلاحظ أن هذه المحرمات تمتاز بكثرة الشحم، فالإبل لها سنام كله شحم، والأوز والبط هي شحوم قليل لحمها، وذو الظفر كما ترى قد فسرت به، وكل حيوان لم تنفرج أطراف أرجلها، وكان التحريم لهذا المعنى الذي ذكرناه، وفطما لنفوسهم، وفطم النفوس يعطيها قوة إرادة، ويجعل للعقل سيطرة على أفعالهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>