للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن شئت أن تقول إن فيها أكثر التكليفات الاجتماعية البانية والواقية، وهي متفق عليها في كل الديانات السماوية، ومقررة في كل الشرائع العادلة، وإن لم تكن فيها على هذا السمو الرفيع كما جاء في القرآن.

(قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا).

خاطب الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - ليبلغ جوهر رسالة ربه بأن يقول بهم: (تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) أي أقبلوا أيها الناس أجمعين في شتى الأرض أجناسا وشعوبا وقبائل، وأقبلوا بعقولكم وأنفسكم أبين لكم ما حرم عليكم، فالنداء بـ (تَعَالَوْا) دعوة لإقبالهم له بكل مداركهم وتفكير وتنبيه لعظم ما سيبينه لهم من وصايا وتكليفات، والتلاوة هي قراءة القرآن الكريم مرتلا متتابعا في كلماته وأساليبه، والمراد هنا البيان لأن البيان؛ ثمرة تلك التلاوة المتتابعة الموضحة، فهذا تعبير بالمسبب عن السبب.

وقوله تعالى: (مَا حَرَّمَ رَبُكُمْ عَلَيْكُمْ)، (ما) اسم موصول بمعنى الذي، أي أبين لكم الذي حرمه الله تعالى عليكم، ويصح أن تكون ما موصولا حرفيا، ويكون المؤدى تعالوا أتلُ تحريم ربكم تعالى عليكم.

وفى التعبير بقوله تعابى: (مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) إشارة إلى أن ذلك من ربكم الذي خلقكم وربَّكمْ، وهذبكم، وهو العالم بالأمور كلها، وهو المحيط بما فيه خيركم، و (حرَّمَ)، إنما هو في الأمور الخمسة الأولى التي آخرها، (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ)، فإن هذه الخمسة محرمات ننتهي عنها وإذا شئنا الإحسان إلى الوالدين، أما الباقي فأكثره مأمورات من الوفاء بالكيل والميزان، وألا يقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن، فهو في معنى الأمر في معاملة اليتيم بالتي هي أحسن في ماله، ثم إقامة العدل والوفاء بالعهد فهذه أوامر لَا محرمات.

هذه الأوامر المذكورة في الآيات نهيا أو طلبا هي تسعة إن جعلنا الوفاء بالكيل والميزان أمرا واحدا، وإن جعلناها أمرين تكون عشرة كاملة.

<<  <  ج: ص:  >  >>