للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشافعي: " يا معشر الناس من ارتكب شيئا من هذه القاذورات فاستتر فهو في ستر الله ومن أبدى صفحته أقمنا عليه الحد " (١).

ومن المعاصي ما يستتر استتارا؛ لأنه خلجات القلوب ولم يظهر في العمل لَا لعدول صاحبها، ولكنه فوجئ ما فوت عليه مقصده كمن بيت الاعتداء، أو الزنى، واتجه إلى الفعل، ولكن فات عليه ارتكابها لأمر خارج عن إرادته، فإنه يكون قد أبْطن معصيته، ولكن لم يُمكَّن من ارتكابها رغما عنه لَا مريدا، فإن من الآثام ما يكون باطنا، وعليه الإثم، وكمن يهاجر إلى مكان لَا يريد الهجرة لله أو لعمل صالح، ولكن يريد الفسق والفجور أو البغي، فإن هذا يكون فاحشة مما بطن. وهذا النص مثل قوله تعالى: (وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ. . .).

وقد يسأل سائل، إن هذا النص القرآني وما يشبهه فيه نص على المؤاخذة على ما في النفس وما يبطن، مع أن الحديث بأن الله تعالى لَا يؤاخذ على ما يحدث المرء به نفسه، وقال عليه الصلاة والسلام: " من هم بحسنة فلم يفعلها كتبت له حسنة، ومن همَّ بسيئة فلم يفعلها لم يكتب عليه شيء " (٢)، فإن هذا حديث النفس أو همُّها، من غير أن تشرع بعمل، بل عدل من تلقاء نفسه.

وما في النص السامي الذي نتكلم في معناه هو من ارتكب الشروع، ولم يقتصر على حديث النفس ولا هم النفس والعدول، بل أراد الفعل وقصده، وأخذ في الأسباب، ولكن لم يتم لأمر خارج عن إرادته.


(١) رواه مالك في الموطأ: الحدود - ما جاء فيمن اعمْرف على نفسه بالزنا (١٥٦٢).
(٢) رواه الإمام البخاري: الرقاق - من هم بحسنة أوسيئة (٦٤٩١)، وفي رواية: التوحيد (٧٥٠١).
كما رواه مسلم: الإيمان - إذا هم العبد بحسنة (١٢٨) عن أبي هريرة رضي الله عنه. وعلى هذا فإن من هم بسيئة فلم يفعلها - ابتغاء مرضاة الله تعالى - كتبت له حسنة. والله أكبر.

<<  <  ج: ص:  >  >>