للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الغني الحميد، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُم الْفقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ).

ولقد جاءت الآثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بما يفيد أن في معنى الآية من الحد بعشر أمثالها هو حد أدنى، فقد روى مسلم والإمام أحمد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " يقول الله عز وجل من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد، ومن جاء بسيئة فجزاء سيئة مثلها أو أغفر، ومن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، ومن تقرب ذراعا تقربت منه باعا، ومن أتى يمشي أتيته هرولة، ومن لقيني بِقِرابِ الأرض (أي بما يقاربها في ملئها وحجمها) خطيئة لَا يشرك بي شيئا لقيته بمثلها مغفرة، (١).

والسيئة الأمر الذي يسوء في نفسه، ويسوء الناس، ويعصى به الله تعالى، وعبر عنه بالسيئة بأقبح ما يكون من معاصي، فإن أعلى المعاصي ما يكون إساءة للناس، وإيذاء.

وقد صرح الحديث بالنسبة لمن يهم بسيئة فلم يفعلها بأنه لَا يكتب له شيء ومن همَّ بحسنة فلم يفعلها كتبت له حسنة؛ لأن النية الطيبة حسنة في ذاتها، فالأعمال بالنيات.

ولقد تكلم ابن كثير في بيان أحوال من يهم بسيئة فلم يفعلها فقد قسمها إلى ثلاثة أقسام باعتبار حال التارك لها بعد أن يهم، فقال رضي الله عنه: (اعلم أن تارك السيئة الذي لَا يعملها على ثلاثة أقسام، تارك يتركها لله تعالى، فهذا تكتب له حسنة على كفِّه عنها لله تعالى، وهذا عمل ونية، ولذا جاء أنه يكتب له حسنة، كما جاء في بعض ألفاظ الصحيح: " فإنه تركها من جرائي "؛ أي من أجلي (٢)، وتارة يتركها نسيانا وذهولا عنها، فهذا لَا عليه ولا له؛ لأنه لم ينو


(١) رواه مسلم: الذكر والدعاء والاستغفار - فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله (٢٦٨٧). عن أبي ذر رضي الله عنه.
(٢) كما في رواية مسلم: الإيمان - إذا هم العبد (١٢٩) عن أبي هُرَيْرَةَ: وَقَالَ رَسُولُ اللًهِ - صلى الله عليه وسلم -: " قَالَتِ الْملَائِكَةُ: رَبِّ، ذَاكَ عَبْدُكَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً، وَهُوَ أَبْصَرُ بِهِ، فَقَالَ: ارْقُبُوهُ فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، إِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّايَ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>