للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولكن في الدنيا عواقب للأعمال، قد تتعدى الفاعل، وقد قال تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) [التخريج]، فإنه إذا عم الفساد وطم سيله، فسدت الجماعة وهلكت، ولا يكون أثره مقصورا على العصاة، بل يتعداه إلى غيرهم، كما قال تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (١٦).

وروي أن أم المؤمنين زينب بنت جحش سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائلة: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون، فقال عليه السلام: " إذا عم الخَبَث " (١)، والخبث هنا هو المعاصي وأشدها الظلم والفاحشة وما يوعز بها وإن عموم الفساد يكون من إهمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيعم العذاب، كما قال عليه الصلاة والسلام: " لَتَأْمُرُن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذنَّ على يدي الظالم ولتأطُرُنَّه على الحق أطرا أو ليضربن قلوب بعضكم ببعض ثم تدعون فلا يستجاب لكم " (٢) وإن عذاب يوم الدين لاحق بكل نفس كسبت، أو قصدت، ولذا قال تعالى: (ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتًلِفُونَ).

(ثم) هنا للتراخي والترتيب؛ لأن ذلك يوم الدين فيكون الجزاء العادل، ينال كل امرئٍ ما كسب أو قصد، فالله تعالى يجازي على التقصير في بيان حدود الله ومنع العصاة، كما يجازي على ذات المعصية؛ لأن ترك الواجب معصية كارتكابها.

وقدم الجار والمجرور، لبيان أن المرجع إليه وحده فهو الذي يملك يوم الدين وحده، فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته عذابا أليما.


(١) متفق عليه؛ رواه البخاري: أحاديث الأنبياء - قصة يأجوج ومأجوج، ومسلم: الفتن وأشراط الساعة - اقتراب الفتن (٢٨٨٠).
(٢) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>